تخاف من عدم إتمام ما أحرمت به فلو حدث لها مفاجئة ما يعوقها من الإتمام لكان أشق عليها وأبلغ في التفجيع لها كما شق على الصحابة التحلل في الحديبية وكما شق عليهم فسخ الحج إلى العمرة في حجة الوداع بخلاف ما إذا اشترطت وصرحت بتعليق الإتمام على الشرط واستحضرت من أول الأمر أنها في خيرة من تركه عندما يتفق لها من الموانع، فهذا مما لا شك فيه أنه لا يحصل في قلبها ضيق وحرج في التحلل عند حدوث عارض يمنعه من الإتمام والإكمال، ويكون شروعها في أعمال الحج أهون عليها وأسهل وأيسر، وهذه فائدة لا يمكن إنكارها مع جواز التحلل من غير اشتراط، على أنه روي عن أبي حنيفة كما في المغني أن الاشتراط يفيد سقوط الدم مع كون التحلل ثابتًا عنده بكل إحصار، وأما ما ذكره الجمهور من قول ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو. فقد تقدم الجواب عنه في كلام الآلوسي أيضًا فتذكر. وقال التوربشتي: قد نقل عنه في معنى الإحصار برواية الثقات ما يؤيد حديث الحجاج، وروي عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، فإن أحصرتم، قال: من حبس أو مرض، قال إبراهيم: حدثت به سعيد بن جبير فقال: هكذا قال ابن عباس. ولو ثبت عنه أيضًا لا حصر إلا حصر العدو، فالسبيل أن يؤول لئلا يخالف حديث حجاج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وليوافق حديث سعيد بن جبير عنه، ورأيت التأويل الجامع أن نقول: لا حصر إلا حصر العدو بمثابة قول من قال: لا هم إلا هم الدين، وذلك أن الحصر بالعدو من أعظم أسباب الحصر لأنه متعلق بالعموم وغيره متعلق بالخصوص والأفراد كما كان من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين صد عن البيت وأحصر بالعدو، أحصر هو وسائر من معه، ولو مرض أحد القوم لم يكن كذلك، فهذا معنى قوله: لا حصر إلا حصر العدو – انتهى. قلت: والقول الراجح عندي في معنى الإحصار أنه يكون من كل حابس يحبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك كما ذهب إليه الحنفية وكثير من الصحابة. قال الأمير اليماني في السبل: القول بتعميم الإحصار هو أقوى الأقوال وليس في غيره من الأقوال إلا آثار وفتاوي للصحابة – انتهى. قلت: وإليه مال البخاري في صحيحه إذ ذكر في باب المحصر بعد آية الإحصار: قال عطاء: الإحصار من كل شيء يحبسه. قال الحافظ: وفي اقتصاره على تفسير عطاء إشارة إلى أنه اختار القول بتعميم الإحصار – انتهى. وإليه ذهب ابن حزم حيث قال في المحلى: كل من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه أو عمرته من عدوٍّ أو مرض أو خطأ طريق أو خطأ في رؤية الهلال فهو محصر. قلت: ويدل عليه عموم قوله تعالى: {فإن أحصرتم}(الآية) وإن كان سبب نزولها إحصار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعدو، فالعام لا يقصر على سببه. قال الشوكاني في السيل الجرار (ج ٢: ص ٢٣١) هذه الآية وإن كان سببها خاصًا فالاعتبار بعموم اللفظ كما تقرر في الأصول، وبنحو ذلك قال الأمير اليماني في السبل: وقال ابن جرير في تفسيره بعد تفصيل طويل: وأولى التأويلين للصواب في قوله تعالى: {فإن أحصرتم} تأويل من تأوله بمعنى فإن أحصركم خوف أو مرض أو علة عن