أي الخروج من منى (في يومين أي من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها. قال الألوسي: النفر في أول منها لا يجوز فظرفية اليومين له على التوسع باعتبار أن الاستعداد له في اليوم الأول، والقول بأن التقدير في أحد يومين إلا أنه مجمل فسر باليوم الثاني أو في آخر يومين خروج عن مذاق النظر (فلا إثم عليه) في تعجيله (ومن تأخر) أي عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث (فلا إثم عليه) في تأخيره، وقيل: المعنى: ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه، والتخيير ها هنا وقع بين الفاضل والأفضل لأن المتأخر أفضل، فإن قيل: إنما يخاف الإثم المتعجل فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل ألحق به؟ فالجواب أن المراد من عمل بالرخصة وتعجل فلا إثم عليه في العمل بالرخصة ومن ترك الرخصة وتأخر فلا إثم عليه في ترك الرخصة، كذا في النيل، وقال التوربشتي: إن قيل ما وجه التخيير بين الأمرين وأحدهما أفضل من الآخر؟ وما وجه التسوية بين المتعجل والمتأخر؟ والمتأخر أخذ بالأسد والأفضل؟ قلنا: قد ذكر أهل التفسير أن أهل الجاهلية كانوا فئتين، فإحداهما ترى المتعجل آثمًا والأخرى ترى المتأخر آثمًا، فورد التنزيل بنفي الحرج عنهما، وهذا قول مطابق لسياق الآية لو كان له في أسباب النزول أصل ثابت، والظاهر أن الإعلام الذي جاءهم من قبل الله إنما جاء ليعلموا أن الأمر موسع عليهم فلهم أن يأخذوا من الأمرين بأيهما شاءوا)) ونظيره التخيير بين الصوم والإفطار وإن كان الصوم أفضل. وأما وجه التسوية بين المتعجل والمتأخر في نفي الجرح فهو أن من الرخص ما يقع من العامل موقع العزيمة، ويكون الفضل في إتيانه دون إتيان ما يخالفه، وذلك مثل قصر الصلاة للمسافر، فمنهم من يراه عزيمة ولا شك أنه في الأصل رخصة، والذي يراه أيضًا رخصة يرى إتيان هذه الرخصة أفضل، ولما كان التعجل في يومين رخصة والرخصة محتملة للمعاني التي ذكرناها وقع قوله ((فلا إثم عليه)) موضع البيان في إتيان الرخصة، وقوله ((ومن تأخر)) موقع البيان لترك الرخصة، وإذا كانت الرخصة من هذا القبيل الذي لن يبين لنا فضله على ما يخالفه فلا شك أن الإتيان بالأتم والأكمل أولى وأفضل – انتهى. والحديث فيه دليل على أن الوقوف بعرفة في وقته ركن لا يصح الحج إلا به وقد أجمع العلماء على ذلك، حكى هذا الإجماع غير واحد من شراح الحديث ونقلة المذاهب، منهم ابن قدامة وابن رشد وغيرهما. ودل الحديث أيضًا على أن وقت الوقوف ممتد إلى ما قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة وقد أجمعوا عليه أيضًا لكنهم اختلفوا في وقت الفرض والواجب للوقوف كما ستعرف، قال ابن قدامة (ج ٣: ص ٤١٠، ٤١٣) : الوقوف ركن لا يتم الحج إلا به إجماعًا، ثم ذكر حديث عبد الرحمن بن يعمر ثم قال: ويجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بعرفة حتى غابت الشمس كما تقدم في حديث جابر (الطويل) وفي حديث علي وأسامة ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع حين غابت الشمس)) .