فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح في قول جماعة الفقهاء إلا مالكًا. قال: لا حج له، قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك، وحجته ما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل، ولنا ما روى عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة – الحديث، وفيه ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه)) فأما خبره فإنما خص الليل لأن الفوات يتعلق به إذا كان يوجد بعد النهار، فهو آخر وقت الوقوف كما قال عليه السلام:" من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها ". وعلى من دفع قبل الغروب دم في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ومن تبعهم، وقال ابن جريج: عليه بدنة. وقال الحسن البصري: عليه هدي من الإبل، ولنا أنه واجب لا يفسد الحج بفواته فلم يوجب البدنة كالإحرام من الميقات، فإن دفع قبل الغروب ثم عاد نهارًا فوقف حتى غربت الشمس فلا دم عليه. وبهذا قال مالك والشافعي، وقال الكوفيون وأبو ثور: عليه دم لأنه بالدفع لزمه الدم فلم يسقط برجوعه، كما لو عاد بعد غروب الشمس. ولنا أنه أتى بالواجب وهو الجمع بين الوقوف في الليل والنهار فلم يجب عليه دم كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم رجع فأحرم منه، فإن لم يعد حتى غربت الشمس فعليه دم لأن عليه الوقوف حال الغروب وقد فاته بخروجه – انتهى. قلت: وما نسب إلى الكوفيون من وجوب الدم فيما إذا دفع قبل الغروب ثم عاد نهارًا فوقف حتى غربت الشمس، وهو قول مرجوح للحنفية، والراجح سقوط الدم كما ذهب إليه الجمهور، قال القاري: إن دفع قبل الغروب فإن جاوز حد عرفة بعد الغروب فلا شيء عليه اتفاقًا، وإن جاوزه قبل فعليه دم، فإن لم يعد أصلاً أو عاد بعد الغروب لم يسقط الدم، وإن عاد قبل الغروب فدفع بعد الغروب سقط الدم على الصحيح – انتهى. ثم قال ابن قدامة (ج ٣: ص ٤١٥) : ومن لم يدرك جزءًا من النهار ولا جاء عرفة حتى غابت الشمس فوقف ليلاً فلا شيء عليه، وحجه تام لا نعلم مخالفًا فيه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من أدرك عرفات بليل ... " ولأنه لم يدرك جزءًا من النهار فأشبه من منزله دون الميقات إذ أحرم منه، ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر. لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن آخر الوقت طلوع فجر يوم النحر. قال جابر: لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع. قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك؟ قال: نعم. رواه الأثرم، وأما أوله فمن طلوع الفجر يوم عرفة. وقال مالك والشافعي أول وقته زوال الشمس من يوم عرفة، واختاره أبو حفص العكبري، وحكى ابن عبد البر ذلك إجماعًا، ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة بن مضرس ((من شهد صلاتنا هذه