ولا يختلى خلاها ". فقال العباس: يا رسول الله! إلا الإذخر
ــ
عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها، قاله ابن بطال. وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية: هي كغيرها من البلاد وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف لأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود، فاحتاج الملتقط بها إلى المبالغة في التعريف. واحتج ابن المنير لمذهبه بظاهر الاستثناء لأنه نفي الحل واستثنى المنشد (في قوله لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) فدل على أن الحل ثابت للمنشد لأن الاستثناء من النفي إثبات. قال: ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء، والقياس يقتضي تخصيصها، والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم، والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق إلى الآفاق البعيدة فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلة فلا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها إلا من عرفها، وفارقت في ذلك لقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرقهم فإنها لا تعرف في غيرهم باتفاق بخلاف لقطة مكة فيشرع تعريفها لإمكان عود أهل أفق صاحب اللقطة إلى مكة فيحصل التوصل إلى معرفة صاحبها – انتهى. (ولا يُخْتَلَى) بضم الياء وسكون الخاء المعجمة وفتح الفوقية واللام أي لا يجز ولا يقطع (خلاها) بفتح المعجمة مقصور الرطب من الكلأ، فإذا يبس فهو حشيش وهشيم قال الحافظ: الخلا هو الرطب من النبات واختلاؤه قطعه واحتشاشه، واستدل به على تحريم رعيه لكونه أشد من الاحتشاش، وبه قال مالك والكوفيون واختاره الطبري. وقال الشافعي: لا بأس بالرعي لمصلحة البهائم وهو عمل الناس بخلاف الاحتشاش فإنه المنهي عنه فلا يتعدى ذلك إلى غيره – انتهى. قلت: الظاهر أن الإمام مالكًا وافق الشافعي في جواز الرعي لما في المدونة. قال مالك: لا بأس بالرعي في حرم مكة وحرم المدينة في الحشيش والشجر، وفي آخر جامع الحج من الموطأ: سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم؟ فقال: لا. قال الباجي: وهذا كما قال: أن لا يحتش أحد في الحرم لدابته ولا لغير ذلك إلا الإذخر الذي أباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن احتش في الحرم فلا جزاء عليه ولا بأس أن يرعى الإبل في الحرم. والفرق بينه وبين الاحتشاش أن الاحتشاش تناول قطع الحشيش وإرسال البهائم للرعي ليس بتناول لذلك، وهذا لا يمكن الاحتراز منه، ولو منع منه لامتنع السفر في الحرم والمقام فيه لتعذر الامتناع منه والتحرز – انتهى. قال الحافظ: وفي تخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس واختلاءه وهو أصح الوجهين للشافعية، لأن النبت اليابس كالصيد الميت. قال ابن قدامة: لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش، ويدل عليه أن في بعض طرق حديث أبي هريرة ((ولا يحتش حشيشها)) قال: وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنته الناس في الحرم من بقل وزع ومشموم فلا بأس برعيه واختلاءه – انتهى. وسيأتي بسط الكلام في ذلك في شرح قوله الآتي ((لا يعضد شجرها)) (فقال العباس) أي ابن عبد المطلب (إلا الإذخر) يجوز فيه الرفع بدلاً مما قبله