حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسول الله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ألا وإنها حلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد (وفي رواية ((لا يلتقط ساقطتها إلا منشد)) فمن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما إن يعقل وإما أن يقاد أهل القتيل فجاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال: اكتبوا لأبي فلان، فقال رجل من قريش. إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إلا الإذخر (لا يعضد) بصيغة المجهول أي لا يقطع ووقع في رواية لعمر بن شبة بلفظ ((لا يخضد)) بالخاء المعجمة بدل العين المهملة، وهو راجع إلى معني العضد، فإن أصل الخضد الكسر ويستعمل في القطع (شجرها) قال القرطبي: خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبته الله تعالى من غير صنع الآدمي، فأما ما ينبت بمعاجلة آدمي فاختلف فيه، والجمهور على الجواز. وقال الشافعي في الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة، واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول فقال مالك: لا جزاء فيه بل يأثم، وقال عطاء: يستغفر، وقال أبو حنيفة: يؤخذ بقيمته هدي، وقال الشافعي: في العظيمة بقرة وفي ما دونها شاة. واحتج الطبري بالقياس على جزاء الصيد، وتعقبه ابن القصار بأنه كان يلزمه أن يجعل الجزاء على المحرم إذا قطع شيئًا من شجر الحل ولا قائل به. وقال ابن العربي: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم إلا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة كذا نقله أبو ثور عنه. وأجاز أيضًا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها، بهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما، كذا في الفتح، وقال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم وإباحة أخذ الإذخر وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين، حكى ذلك ابن المنذر، والأصل فيه ما روينا من حديث ابن عباس، وروى أبو شريح وأبو هريرة نحوًا من حديث ابن عباس وكلها متفق عليها، فأما ما أنبته الآدمي من الشجر فقال أبو الخطاب وابن عقيل: له قلعه من غير ضمان كالزرع، وقال القاضي: ما نبت في الحل ثم غرس في الحرم فلا جزاء فيه، وما نبت أصله في الحرم ففيه الجزاء بكل حال، وقال الشافعي في شجر الحرم: الجزاء بكل حال أنبته الآدميون أو نبت بنفسه لعموم قوله عليه السلام ((لا يعضد شجرها)) وقال أبو حنيفة: لا جزاء فيما ينبت الآدميون جنسه كالجوز واللوز والنخل ونحوه ولا يجب فيما ينبته الآدمي من غيره كالدوح والسلم والعضاه لأن الحرم يختص تحريمه ما كان وحشيًا من الصيد كذلك الشجر، قال ابن قدامة: ويحرم قطع الشوك والعوسج، وقال القاضي وأبو الخطاب: لا يحرم. وروى ذلك عن عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي. لأنه يؤذي بطبعه، فأشبه السباع من الحيوان، ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا يعضد شجرها)) وفي حديث أبي هريرة ((لا يختلى شوكها)) وهذا صريح، ولأن الغالب في شجر