ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس،
ــ
إلى الكوفة لاستدعائهم إياه ليبايعوه، فكان ذلك سبب قتله، وأما ابن الزبير فاعتصم، ويسمى عائذ البيت، وغلب على أمر مكة فكان يزيد بن معاوية يأمر أمراءه على المدينة أن يجهزوا إليه الجيوش، فكان آخر ذلك أن أهل المدينة اجتمعوا على خلع يزيد من الخلافة وكان عمرو بن سعيد هذا قد أمر على الجيش الذي جهزه إلى مكة عمرو بن الزبير، وكان معاديًا لأخيه عبد الله، وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شرطته ثم أرسله إلى قتال أخيه فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه فامتنع، وجاء أبو شريح فذكر القصة، فلما نزل الجيش ذا طوى خرج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم وأسر عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارم، وكان عمرو قد ضرب جماعة من أهل المدينة ممن اتهم بالميل إلى أخيه، فأقادهم عبد الله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب، تنبيه: وقع في السيرة لابن إسحاق ومغازي الواقدي أن المراجعة المذكورة وقعت بين أبي شريح وبين عمرو بن الزبير فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون أبو شريح راجع الباعث والمبعوث والله أعلم، قاله الحافظ (إئذن) بهمزتين وفتح الذال، أمر من أذن يأذن، وتبدل همزته الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فيقال: إيذن (أيها الأمير) أصله يا أيها الأمير، حذف منه حرف النداء، ويستفاد منه حسن التلطف في مخاطبة السلطان ليكون أدعى لقبوله النصيحة، وأن السلطان لا يخاطب إلا بعد استئذانه ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه فترك ذلك، والغلظة له قد يكون سببًا لإثارة نفسه ومعاندة من يخاطبه (أحدثك) بالجزم لأنه جواب الأمر (قولاً) مفعول ثان (قام به) صفة للقول والمقول هو حمد الله تعالى إلى آخره (الغد) بالنصب (من يوم الفتح) أي ثاني يوم الفتح يعني أنه خطب اليوم الثاني من فتح مكة (أذناي) هو فاعل سمعت وأصله أذنان لي، فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت نون التثنية، وفيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه، فقوله سمعته أي حملته عنه بغير واسطة، وذكر الأذنين للتأكيد، وقوله (وعاه قلبي) أي حفظه تحقيق لفهمه وتثبته، وقوله (وأبصرته عيناي) زيادة في تحقيق ذلك وأن سماعه منه ليس اعتمادًا على الصوت فقط بل مع المشاهدة والروية (حين تكلم به) أي بالقول المذكور و ((حين)) نصب على الظرف لسمعت ووعاه وأبصرت، ويؤخذ من قوله ((ووعاه قلبي)) أن العقل محله القلب (حمد الله) جملة استئنافية مبينة، وفي رواية ((أنه حمد الله)) قال الحافظ: هو بيان لقوله تكلم، ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم وتبيين الأحكام والخطبة في الأمور المهمة، وقد تقدم من رواية ابن اسحاق أنه قال فيها ((أما بعد)) (وأثنى عليه) عطف على حمد من قبيل عطف العام على الخاص (حرمها الله) جملة وقعت في محل الرفع لأنها خبر إن (ولم يحرمها الناس)