فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، فقولوا له: إن الله قد أذن لرسوله ولم يؤذن لكم، وإنما أذن لي
ــ
بالضم أي إن تحريمها كان بوحي من الله لا من اصطلاح الناس (فلا يحل) الفاء فيه جواب شرط محذوف تقديره إذا كان كذلك فلا يحل (لامرئ) هذا اللفظ من النوادر حيث كانت عينه دائمًا تابعة للامه في الحركة (يؤمن بالله واليوم الآخر) اكتفى بطرفي المؤمن به عن بقيته قال الحافظ: فيه تنبيه على الامتثال لأن من آمن بالله لزمته طاعته ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أمر به واجتناب ما نهي عنه خوف الحساب عليه، وقد تعلق به من قال إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثر خلافه، وجوابهم بأن المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه، وليس فيه نفي ذلك عن غيره، وقال ابن دقيق العيد: الذي أراه أنه من خطاب التهبيج نحو قوله تعالى {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}(سورة المائدة: الآية ٢٦) فالمعنى استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه، فهذا هو المقتضى لذكر هذا الوصف، ولو قيل لا يحل لأحد مطلقًا لم يحصل منه هذا الغرض، وإن أفاد التحريم (أن يسفك) فاعل لا يحل وأن مصدرية، تقديره فلا يحل سفك دم، ويسفك بكسر الفاء على المشهور وحكي ضمها، ومعنى السفك إراقة الدم وصبه، والمراد به القتل، واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة، وتقدم البحث فيه في الكلام على حديث ابن عباس (بها) أي بمكة، والباء بمعنى في أي فيها كما هي رواية المستملي للبخاري (دمًا) مفعول ليسفك (ولا يعضد) بالنصب أيضًا لأنه عطف على يسفك والتقدير وأن لا يعضد، وزيدت لا لتأكيد معنى النفي، فمعناه لا يحل أن يعضد، ويعضد بكسر الضاد المعجمة بصيغة المعلوم. والضمير الذي فيه يرجع إلى امرئ أي ولا يقطع (بها) أي بمكة (شجرة) بالنصب مفعول يعضد، وفيه دليل على تحريم قطع شجر مكة وقد سبق الكلام في ذلك وتفصيل مذاهب الأئمة في شرح حديث ابن عباس (فإن) شرطية (أحد) فاعل فعل محذوف مضمر، والتقدير فإن ترخص أحد، ويفسره قوله (ترخص) وإنما حذف لئلا يجتمع المفسر والمفسر، وذلك كما في قوله تعالى:{وإن أحد من المشركين استجارك}(سورة التوبة الآية: ٦) وقوله ((ترخص)) على وزن تفعل مشتق من الرخصة، وفي رواية ابن أبي ذئب عند أحمد ((فإن ترخص مترخص)) وهو المتكلف للرخصة (بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) كذا في صحيح مسلم وفي البخاري ((لقتال رسول الله)) واللام فيه للتعليل، وهو متعلق بقوله ترخص (فقولوا) جواب الشرط فلذلك دخلت فيه الفاء (إن الله قد أذن) بكسر الذال أي أجاز (لرسوله ولم يأذن لكم) معناه إن قال أحد بأن ترك القتال عزيمة والقتال رخصة يتعاطى عند الحاجة مستدلاً بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها فقولوا له: ليس الأمر كذلك، فإن الله أذن لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يأذن لكم (وإنما أذن لي) بفتح الهمزة وكسر الذال على بناء الفاعل، والضمير فيه يرجع إلى الله، ويروى يضم الهمزة على البناء للمجهول، وفي قوله ((لي)) التفات، لأن نسق الكلام