يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن والى قومًا بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين،
ــ
على إضاعتها (يسعى بها) أي يتولاها ويلي أمرها (أدناهم) أي أدنى المسلمين مرتبة، والمعنى أن ذمة المسلمين واحدة سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا آمن أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمة لم يكن لأحد نقضه فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحر والعبد لأن المسلمين كنفس واحدة. قال الحافظ: دخل في قوله ((أدناهم)) كل وضيع بالنص وكل شريف بالفحوى؛ فدخل في ((أدناهم)) المرأة والعبد والصبي والمجنون، فأما المرأة فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئًا ذكره عبد الملك يعني ابن الماجشون صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره، قال: إن أمر الأمان إلى الإمام وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة، قال ابن المنذر: وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((يسعى بذمتهم أدناهم)) دلالة على إغفال هذا القائل – انتهى. وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال: هو إلى الإمام إن أجازه جاز وإن رده رد، وأما العبد فأجاز الجمهور أمانه قاتل أو لم يقاتل. وقال أبو حنيفة: إن قاتل جاز أمانه وإلا فلا. وقال سحنون: إذا أذن له سيده في القتال صح أمانه وإلا فلا. وأما الصبي فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز. قلت (قائله الحافظ) : وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره، وكذلك المميز الذي يعقل، والخلاف عن المالكية والحنابلة، وأما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر، لكن قال الأوزاعي: إن غزا الذمي مع المسلمين فآمن أحدًا فإن شاء الإمام أمضاه وإلا فليرده إلى مأمنه، وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه استثنى من الرجال الأحرار الأسير في أرض الحرب فقال: لا ينفذ أمانه وكذلك الأجير (فمن أخفر مسلمًا) بالخاء المعجمة والفاء أي نقض عهد مسلم وأمانه فتعرض لكافر آمنه مسلم. قال أهل اللغة: يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته بغير همز إذا آمنته، فالهمزة في أخفر للإزالة والسلب نحو اشكيته أي أزلت شكايته فمعنى ((أخفر مسلمًا)) أزال خفرته أي عهده وأمانه (ومن والى قومًا) أي اتخذهم أولياء، وهو يحتمل أن يراد به ولاء المولاة والحلف بأن يكون لرجل موالي فأبطل مولاتهم واتخذ قومًا آخرين موالي بغير إذن مواليه والاستشارة بهم فإن فيه نوعًا من نقض العهد والإيذاء، وقيل المراد من نسب نفسه إليهم كانتمائه إلى غير أبيه، ويحتمل أن يراد ولاء العتاقة وهذا أنسب لما جاء في الرواية الأخرى من أقرانه وذكره مع قوله:((من ادعى إلى غير أبيه)) يعني من انتسب إلى غير من هو معتق له كان كالدعي الذي ينتسب إلى غير أبيه، قال النووي: معناه أن ينتمي العتيق إلى ولاء غير معتقه وهذا حرام لتفويته حق المنعم عليه. ولأن الولاء كالنسب فيحرم تضييعه كما يحرم تضييع النسب وانتساب الإنسان إلى غير أبيه (بغير إذن مواليه) تنبيه على ما هو المانع وهو إبطال حقهم وأمانتهم وإيراد الكلام على ما هو