الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع وأودؤه ما يقع في الأعضاء الرئيسية، والأسود منه قل من يسلم منه، وأسلمه الأحمر ثم الأصفر والطواعين تكثر عند الوباء في البلاد الوبئة، ومن ثم أطلق على الطاعون وباء، وذكر الحافظ أقوالاً أخرى، ثم قال: هذا ما بلغنا من كلام أهل اللغة وأهل الفقه والأطباء في تعريفه، والحاصل أن حقيقته ورم ينشأ عن هيجان الدم أو انصباب الدم إلى عضو فيفسده، وأن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء يسمى طاعونًا بطريق المجاز لاشتراكهما في عموم المرض أو كثرة الموت، والدليل على أن الطاعون غير الوباء حديث ((أن الطاعون لا يدخل المدينة)) . وقد ورد في حديث عائشة: قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله. وفيه قول بلال ((أخرجونا إلى أرض الوباء)) ، وغير ذلك من الأحاديث الدالة على أن الوباء كان موجودًا بالمدينة، وقد صرح في الحديث بأن الطاعون لا يدخلها، فدل على أن الوباء غير الطاعون وأن من أطلق على كل وباء طاعونًا فبطريق المجاز، قال: والذي يفترق به الطاعون من الوباء أصل الطاعون الذي لم يتعرض له الأطباء ولا أكثر من تكلم في تعريف الطاعون وهو كونه من طعن الجن، ولا يخالف ذلك ما قال الأطباء من كون الطاعون ينشأ عن هيجان الدم أو انصبابه لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فتحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها أو ينصب، وإنما لم يتعرض الأطباء لكونه من طعن الجن لأنه أمر لا يدرك العقل، وإنما يعرف من الشارع فتكلموا في ذلك على أن ما اقتضته قواعدهم. وقال الكلاباذي في معاني الأخباء: يحتمل أن يكون الطاعون على قسمين: قسم يحصل من غلبة بعض الأخلاط من دم أو صفراء محترقة أو غير ذلك، وقسم يكون من وخز الجن كما تقع الجراحات من القروح التي تخرج في البدن من غلبة بعض الأخلاط – انتهى. ومما يؤيد أن الطاعون يكون من طعن الجن وقوعه غالبًا في أعدل الفصول، وفي أصح البلاد هواء وأطيبها ماء، ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدم في الأرض، لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى، وهذا يذهب أحيانًا ويجيء أحيانًا على غير قياس ولا تجربة فربما جاء سنة على سنة، وربما أبطأ سنين، وبأنه لو كان كذلك لعم الناس والحيوان والموجود بالمشاهدة أنه يصيب الكثير ولا يصيب من هم بجانبهم مما هو في مثل مزاجهم، ولو كان كذلك لعم جميع البدن، وهذا يختص بموضع من الجسد ولا يتجاوزه، ولأن فساد الهواء يقتضي تغير الأخلاط وكثرة الأسقام، وهذا في الغالب يقتل بلا مرض، فدل على أنه من طعن الجن كما ثبت في الأحاديث الواردة منها حديث أبي موسى رفعه:" فناء أمتي بالطعن والطاعون "، قيل: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال:" وخز أعداءكم من الجن وفي كل شهادة ". أخرجه أحمد من رواية زياد بن علا ة عن رجل عن أبي موسى. وفي رواية له عن زياد حدثه رجل من قومي قال: كنا على باب عثمان ننتظر الأذان فسمعت أبا موسى قال زياد: فلم أرض بقوله فسألت سيد الحي فقال: صدق. وأخرجه البزار والطبراني من وجهين آخرين عن زياد فسميا المبهم يزيد بن الحارث، وسماه أحمد في رواية