للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جالسًا وقبر يحفر بالمدينة، فاطلع رجل في القبر فقال: بئس مضجع المؤمن. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بئس ما قلت ". قال الرجل إني لم أرد هذا إنما أردت القتل في سبيل الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا مثل القتل

ــ

الموطأ ((قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أحفظه مسندًا ولكن معناه موجود من رواية مالك وغيره (جالساً) أي في المقبرة (وقبر) الواو حالية (يحفر لميت (بالمدينة) كذا في النسخ المصرية للموطأ ووقع في الهندية ((في المدينة)) وكلام الزرقاني يشير إلى أن الأولى رواية يحيى حيث قال: ولابن وضاح ((في المدينة)) انتهى. قال الباجي: يحتمل أن يكون قصد ذلك لمواصلة من كان القبر يحفر بسببه أو لفضل المقبور فيه ودينه أو للاتعاظ به، ويحتمل أن يكون جلس لغير ذلك فصادف حفر القبر – انتهى. قلت: والظاهر هو الأول، والله أعلم (فاطلع) بتشديد الطاء أي نظر (رجل في القبر فقال) أي الرجل المطلع (بئس مضجع المؤمن) بفتح الميم والجيم بينهما ضاد معجمة موضع الضجوع جمعه مضاجع. قال القاري: مضجع المؤمن بفتح الجيم مرقده ومدفنه. قال الطيبي: أي هذا القبر يعني المخصوص بالذم محذوف، والمعني كون المؤمن يضجع بعد موته في مثل هذا المكان ليس محمودًا – انتهى. وقال الباجي: قول المطلع ((بئس مضجع المؤمن)) يحتمل ظاهر اللفظ أن يريد بذلك المكان وقد يتأوله على ذلك من يسمعه منه فلو أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - لاعتقد بعض السامعين له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أقره على قوله إن المدينة المنورة بئس مضجع المؤمن - انتهى. (بئس ما قلت) أي حيث أطلقت الذم على مضجع المؤمن مع أن قبره روضة من رياض الجنة (إني لم أرد) بصيغة المتكلم من الإرادة من باب الإفعال (هذا) أي ذم القبر، وقال القاري: أي هذا المعنى أو هذا الإطلاق (إنما أردت القتل في سبيل الله) أي أردت أن الشهادة في سبيل الله أفضل من الموت على الفراش. قال الباجي قوله ((بئس ما قلت)) يحتمل إما أنه قد أراد عيب القبر وتفضيل الشهادة لكن اللفظ لما كان فيه من الاحتمال ما ذكرناه أنكر عليه اللفظ دون المعنى، ويحتمل أن يكون على هذا الوجه أنكر عليه اللفظ والمعنى لأنه لا يجوز أيضًا أن يقول في القبر: بئس مضجع المؤمن. لأنه له روضة من رياض الجنة وسبب إلى الرحمة والدرجة الرفيعة وإنما يجب أن يقول إن الشهادة أفضل من هذا فإذا كان الأمران فاضلين وأحدهما أفضل من الآخر وجب أن يقال هذا أفضل من هذا ولا يجوز أن يقال في المفضول بئس هذا الأمر، وأما المعنى الثاني فأن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتقد أنه أراد بذلك ذم الدفن بالمدينة ولذلك لم ينكر على القائل إذ قال: لم أرد هذا يا رسول الله. وإنما أردت القتل في سبيل الله. ولو كان فهم منه هذا لكان الأظهر أن يقول له قد فهمت مرادك ولكن هو مع ذلك خطأ فإنك قد جئت بلفظ مشترك أو عبت المفضول مع فضله (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) تقريرًا لمراده (لا مثل القتل) بالنصب أي ليس شيء مثل القتل

<<  <  ج: ص:  >  >>