في سبيل الله، ما على الأرض بقعة أحب إليَّ أن يكون قبري بها منها ".
ــ
(في سبيل الله) في الثواب والفضل ولكن للدفن بالمدينة مزيد الفضل، وقوله لا مثل القتل كذا في جميع نسخ المشكاة أي بالإضافة، وفي الموطأ لا مثل للقتل. ثم ذكر - صلى الله عليه وسلم - فضيلة من يموت ويدفن في المدينة سواء يكون بشهادة أو غيرها فقال (ما على الأرض بقعة) بضم الموحدة في الأكثر فيجمع على بقع كغرفة وغرف وتفتح فتجمع على بقاع مثل كلبة وكلاب أي قطعة (أحب) بالرفع وقيل بالنصب وفي الموطأ ((هي أحب)) (أن يكون قبري بها) أي بتلك البقعة (منها) أي من المدينة. قال الباجي: ظاهره تفضيل المدينة على ما سواها من الأرض ولذلك أحب أن يكون قبره بها وهذا يقتضي أنه أحب أن يكون قبره بها دون مكة، وقد قيل إن ذلك لمعنى الهجرة، قال الباجي: وليس عندي بالبين لأنه لو كان كذلك لم يلعق الحكم بالبقعة ولعلقه بالهجرة والله أعلم. وهذا في حال الإخبار وليس فيه دليل على أنه فضل أن يكون قبره بالمدينة على القتل في سبيل الله على صفة لا يقبر فيها - انتهى. وقال القاري: قد أجمع العلماء على أن الموت بالمدينة أفضل بعد اختلافهم أن المجاورة بمكة أفضل أو بالمدينة، ولهذا كان من دعاء عمر رضي الله عنه ((اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي ببلد رسولك)) أخرجه البخاري. وقال الطيبي: معنى قوله ((إني لم أرد هذا)) إلخ. أني ما أردت أن القبر بئس مضجع المؤمن مطلقًا بل أردت أن موت المؤمن في الغربة شهيدًا خير من موته في فراشه وبلده وأجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله لا مثل القتل، أي ليس الموت بالمدينة مثل القتل في سبيل الله أي الموت في الغربة بل هو أفضل وأكمل، فوضع قوله ما على الأرض بقعة، إلخ. موضع قوله بل هو أفضل وأكمل فإذا لا بمعنى ليس واسمه محذوف والقتل خبره - انتهى. قال القاري: هو بظاهره يخالف ما عليه الإجماع من أن الشهادة في سبيل الله أفضل من مجرد الموت بالمدينة، بل تقدم في الحديث ما يدل على أن الموت في الغربة أفضل من الموت بالمدينة فتكون الفضيلة الكاملة أن يجمع له ثواب الغربة والشهادة بالدفن بالمدينة -انتهى. قلت: أراد القاري بقوله بل تقدم في الحديث، إلخ. ما مر في أوائل الجنائز من حديث عبد الله بن عمرو قال: توفي رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا ليته مات بغير مولده، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: " إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة ". وتقدم أيضًا ما رواه ابن عباس مرفوعًا:((موت غربة شهادة)) وحديث عبد الله بن عمرو بظاهره يخالف الحديث الذي نحن في شرحه ولذا قال القاري في تأويله: ظاهره تخصيص أهل المدينة من عموم ما اتفق عليه العلماء من أن الموت بالمدينة أفضل من مكة مع اختلافهم في أفضلية المجاورة فيهما - انتهى. وقال الشيخ سلام الله الدهلوي في المحلي شرح الموطأ: قوله ((لا مثل للقتل)) أي ليس الموت في المدينة مثل القتل في سبيل الله بل هو أفضل، وقوله ما على الأرض، إلخ. دليل على الأفضلية هكذا فسر الطيبي فعلم منه أن الموت والدفن فيها أفضل من الشهادة. قال