٣٤٥- (١١) وعن جابر، قال:((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد))
ــ
عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس قال:"إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه"، والوهم فيه من همام كما قاله أبوداود، ولم يرو حديث أنس بلفظ "إذا دخل الخلاء وضع خاتمه"، وقد خالف أصحاب ابن جريج. وإطلاق المنكر على حديث همام هذا إنما هو على مذهب ابن الصلاح من عدم الفرق بين الشاذ والمنكر، وحكم النسائي عليه بكونه غير محفوظ أصوب، فإنه شاذ في الحقيقة على مذهب الجمهور من الفرق بين المنكر والشاذ، إذا المتفرد به وهو همام، من شرط صحيح، وثقة ابن معين وغيره، وقال أحمد: ثبت في كل المشائخ لكنه بالمخالفة صار حديثه شاذاً. وقد نوزع أبوداود في حكمه على هذا الحديث بالنكارة مع أن رجاله رجال الصحيح، نازعه المنذري وموسى بن هارون وغيرهما، قال موسى بن هارون: لا أدفع أن يكون حديثين، ومال أيضاً إليه ابن حبان فصحح حديثين معاً، وقد تابع همام يحيى بن الضريس البجلي، ويحيى بن المتوكل البصري، أخرجهما الحاكم والدارقطني، وقد رواه عمرو بن عاصم وهو من الثقات عن همام موقوفاً على أنس، وقال المارديني في الجوهر النقي: الحديثان مختلفان متناً وكذا سنداً؛ لأن الأول رواه ابن جريج عن الزهري بلا واسطة والثاني بواسطة، فانتقال الذهن من الحديث الذي قاله أبوداود فيه: إنما يعرف عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس قال:"إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه" إلى حديث وضع الخاتم مع اختلافهما سنداً ومتناً كما بيناه، لا يكون إلا عن غفلة شديدة، وحال همام لا يحتمل مثل ذلك، هذا مع أن له شاهداً أخرجه البيهقي، عن يحيى بن المتوكل عن ابن جريج عن الزهري عن أنس الخ. وذكر الدارقطني في كتاب العلل: أن يحيى بن الضريس رواه عن ابن جريج كرواية همام، فهذه متابعة ثانية، وابن ضريس ثقة، فتبين بذلك أن الأمر فيه كما ذكر الترمذي من الحسن والصحة – انتهى مختصراً. وقال الحافظ بعد بيان وجه حكم أبي داود على هذا الحديث بالنكارة والكلام في متابعة يحيى بن المتوكل ما نصه: على أن للنظر مجالاً في تصحيح حديث همام؛ لأنه مبنى على أن أصله حديث الزهري عن أنس في اتخاذ الخاتم، ولا مانع أن يكون هذا متناً آخر غير ذلك المتن، وقد مال إلى ذلك ابن حبان فصححهما جميعاً، ولا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج، فإن وجد عنه تصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته –انتهى. وإن شئت مزيد التفصيل فارجع إلى التلخيص (ج١: ص٣٩) وعون المعبود (ج١: ص٩، ٨) والجوهر النقي (وفي روايته) أي أبي داود (وضع) أي من يده (بدل نزع) أي من إصبعه، ولا تفاوت واختلاف بينهما معنى.
٣٤٥- قوله:(البراز) أي الفضاء أو قضاء الحاجة بفتح الباء والكسر لغة قليلة، الفضاء الواسع من الأرض، ثم كنوا به عن الغائط، يقال: تبرز أي تغوط، وهو أن يخرج إلى البراز كما قيل: تخلى إذا صار إلى الخلاء، (انطلق) أي ذهب في الصحراء. (حتى لا يراه أحد) أي إلى أن يصل إلى موضع لا يراه فيه أحد، وفيه دليل على مشروعية التباعد