٣٧٩- (١) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، وبالسواك عند كل صلاة))
ــ
٣٧٩- قوله:(لولا أن أشق على أمتي) أي لولا خشية المشقة عليهم. (لأمرتهم) أي أمر إيجاب وإلا فالندب ثابت، وفيه دلالة على أن مطلق الأمر للإيجاب. (بتأخير العشاء) أي إلى ثلث الليل أو نصف الليل. (وبالسواك) أي باستعماله إن كان المراد به الآلة، وإن كان المراد به الفعل فلا تقدير. (عند كل صلاة) فريضة أو نافلة، وهذا لفظ مسلم، وكذا وقع عند الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه، ووقع في رواية البخاري في الجمعة "مع كل صلاة"، وحقيقة كلمة مع وعند فيما اتصل حساً أو عرفاً فيدل على كون السواك سنة عند الصلاة أيضاً خلافاً لمن لم يجعله من سنن الصلاة نفسها، فربما يفضي إلى حرج. ورد هذه السنة الصحيحة الصريحة بتعليلات واهية منها أنه مظنة جراحة اللثة وخروج الدم، وهو ناقض عند الحنفية، فربما يفضي إلى حرج. وفيه أن هذا تعليل في مقابلة النص فلا يلتفت إليه، على أنه مبنى على كون خروج الدم من غير السبيلين ناقضاً للوضوء، ولم يثبت ذلك كما تقدم، ولو سلم فمن يخاف ذلك فليستعمل بالرفق على نفس الأسنان واللسان دون اللثة، ومنها أنه لا ينبغي عمله في المساجد؛ لأنه من إزالة المستقذرات. وفيه أن هذا التعليل أيضاً مردود. قال الشيخ محمد طاهر الفتني الحنفي في مجمع البحار (ج٢: ص١٥٨) : لأن الحديث دل على استحبابه لكل صلاة، فكيف بمن هو في الصف الأول ينتظر الصلاة، هل يخرج إذا أقيمت أو يترك الصلاة فيخالف الحديث، أو يستاك قبل الدخول فلا يكون استاك عند الصلاة، وقوله "من المستقذرات" معارض بأنه عبادة، والمفروض فيما إذا لم يحصل بصاق ولا تفل، انتهى. وقال العلامة العظيم آبادي في غاية المقصود: ولا نسلم أنه من إزالة المستقذرات، كيف وقد كان زيد بن خالد الجهني يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا استن، ثم رده إلى موضعه؟. (وسيأتي هذا الحديث) وروى الخطيب في كتاب أسماء من روى عن مالك من طريق يحيى بن ثابت، عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سوكهم على آذانهم يستنون بها لك صلاة. وروى ابن أبي شيبة عن صالح بن كيسان: أن عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله كانوا يروحون والسواك على آذانهم. ومنها أنه لم يرو أنه عليه الصلاة والسلام استاك عند قيامه إلى الصلاة، فيحمل قوله "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" على كل وضوء صلاة، بدليل ما في بعض الروايات من قوله: عند كل وضوء، وفيه أنه من البعيد كل البعد أن يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمة بالسواك عند الصلاة، ويؤكده عليهم، ولا يفعل ذلك هو بل يترك، مع أنه ثبت عمله بذلك، فقد روى الطبراني في الكبير عن زيد بن خالد الجهني، قال: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك، قال الهيثمي: رجاله موثقون، انتهى. ومن المعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يخرج بعد سماع الأذان إلا عند إقامة الصلاة، فكان استياكه في البيت عند قيامه إلى الصلاة، وليس بين الروايتين تعارض حتى تحمل رواية الصلاة على الوضوء، بل يقال: