٦- (٥) وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
ــ
في الطريق كالشوك والحجر والنجاسة ونحوها، وفي الحديث إشارة إلى أن مراتب الإيمان متفاوتة (والحياء) بالمد (شعبة) أي عظيمة (من الإيمان) أي من شعبه، وهو في اللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه، وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ولهذا جاء في الحديث:((الحياء خير كله)) ، فإن قيل: الحياء من الغرائز، فكيف جعل شعبة من الإيمان؟ أجيب بأنه قد يكون غريزة، وقد يكون تخلقاً، ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية، فهو من الإيمان لهذا، ولكونه باعثاً على أفعال الطاعة وحاجزاً عن فعل المعصية، ولا يقال: رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير، فكيف يصح أن يقال: الحياء خير كله، ولا يأتي إلا بخير؛ لأن ذلك ليس شرعياً بل هو عجز وخور، وإنما تسميته حياءً من إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازاً لمشابهته الحياء الحقيقي الشرعي، وإنما أفرد الحياء بالذكر من بين سائر الشعب لأنه كالداعي إلى سائر الشعب، فإن الحي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينْزجر، وقال الطيبي: معنى إفراد الحياء بالذكر بعد دخوله في الشعب كأنه يقول: هذه شعبة واحدة من شعبه، فهل تحصى شعبه كلها؟ هيهات إن البحر لا يغرف، قال القاضي عياض: تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد وفي الحكم يكون ذلك مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأنها هذا العدد واجب في الجملة – انتهى. (متفق عليه) أي اتفق الشيخان على رواية أصل الحديث، وليس المراد أنهما اتفقا على خصوص اللفظ الذي ذكره، فلا يعترض بأن قوله ((بضع وسبعون)) من إفراد مسلم، وكذا قوله ((فأفضلها)) إلى قوله ((عن الطريق)) من إفراده فلا يكون متفقاً عليه.
٦- قوله:(وعن عبد الله بن عمرو) كتب بالواو ليتميز عن عمر، ومن ثمة لم يكتب حالة النصب لتميزه عنه بالألف، وهو ابن العاص السهمي القرشي أبومحمد، أسلم قبل أبيه، وكان بينه وبين أبيه في السن اثنتي عشرة سنة، وقيل: إحدى عشرة، وكان غزير العلم كثير الاجتهاد في العبادة، وكان أكثر حديثاً من أبي هريرة لأنه كان يكتب وأبوهريرة لا يكتب، ومع ذلك فالذي روي له قليل بالنسبة إلى ما روي لأبي هريرة، روي له سبعمائة حديث، اتفقا منها على سبعة عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين، روى عنه خلق كثير، كان يلوم أباه على القتال في الفتنة بأدب وتؤدة، ويقول: واصفين مالي ولقتال المسلمين لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة، توفي بمكة أو بالطائف أو بمصر في ذي الحجة من سنة (٦٣) ، أو (٦٥) ، أو (٦٧) ، وقيل مات سنة (٧٢) ، أو (٧٣) ، عن