((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر
ــ
اثنتين وسبعين سنة. (المسلم) أي الكامل، نحو زيد الرجل، أي كامل في الرجولة، والمال الإبل، والناس العرب، وقيل: معناه: المسلم الممدوح، قال ابن جني: من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يخصونه بالمدح اسم الجنس، ألا ترى كيف سموا الكعبة بالبيت، وكتاب سيبويه بالكتاب – انتهى. فإن قيل: إنه يستلزم أن من اتصف بهذا خاصة كان كاملاً، أجيب بأن المراد هو الكامل مع مراعاة باقي الأركان والصفات، قال الخطابي: المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله، وأداء حقوق المسلمين – انتهى. واقتصر على الثاني لأن الأول مفهوم بالطريق الأولى، ويمكن أن يكون هذا وارداً على سبيل المبالغة تعظيماً لترك الإيذاء، فهو محصور فيه على سبيل الادعاء، وأمثاله كثيرة، والحاصل أن القصر فيه باعتبار تنْزيل الناقص منْزلة المعدوم، فلا حاجة إلى تقدير الكمال، ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يبين علامة المسلم التي يستدل بها على إسلامه، وهي سلامة المسلمين من لسانه ويده كما ذكر مثله في علامة المنافق (من) أي إنسان كان ذكراً أو أنثى (سلم المسلمون) أي والمسلمات إما تغليباً، أو تبعاً كما في سائر النصوص والمخاطبات، ويلحق بهم أهل الذمة حكماً، فذكر المسلمين خرج مخرج الغالب؛ لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيداً، ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا وإن كان فيهم من يجب الكف عنه، ووقع في رواية ابن حبان: من سلم الناس (من لسانه) أي بالشتم واللعن والغيبة والبهتان والنميمة والسعي إلى السلطان وغير ذلك، (ويده) بالضرب والقتل والهدم والدفع والكتابة بالباطل ونحوها، وخصا بالذكر لأن أكثر الأذى بهما، أو أريد بهما مثلاً، وقدم اللسان لأن الإيذاء به أكثر وأسهل، ولأنه أشد نكاية، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لحسان: اهج المشركين فإنه أشق عليه من رشق النبل، ولأنه يعم الأحياء والأموات، وابتلي به الخاص ولعام خصوصاً في هذه الأيام، وعبر به دون القول ليشمل إخراجه استهزاء لغيره، وقيل: خص اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها البطش والقطع والوصل والمنع والإعطاء والأخذ ونحوه، وقال الزمخشري: لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت، فقيل في كل عمل "هذا مما عملته أيديهم" وإن لم يكن وقوعه بها، ثم الحد والتعزير وتأديب الأطفال والدفع لنحو الصيال ونحوها فهي استصلاح وطلب السلامة، أو مستثنى شرعاً، أو لا يطلق عليه الأذى عرفاً. (والمهاجر) هو بمعنى الهاجر وإن كان لفظ المفاعل يقتضي وقوع فعل من اثنين لكنه هنا للواحد كالمسافر بمعنى السافر، والمنازع بمعنى النازع، لأن باب فاعل قد يأتي بمعنى فعل (هجر) أي ترك وهذه الهجرة ضربان: ظاهرة، وباطنة، فالباطنة ترك ما تدعوا إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان، والظاهرة الفرار بالدين من الفتن، وكان المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا على مجرد تحولهم من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه، ويحتمل أن يكون ذلك بعد انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييباً لقلوب من لم يدرك ذلك، بل حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى