ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين. إلى المرفقين،
ــ
استنشق الماء، ثم استخرج ذلك بنفس الأنف بإعانة اليد اليسرى، فلم يذكر الاستنشاق؛ لأن ذكر الاستنثار دليل عليه، فإنه لا يكون إلا بعد الاستنشاق. ثم إنهم اختلفوا في وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار، فذهب أحمد إلى وجوب الثلاثة في الوضوء، وغسل الجنابة، وهو الراجح، واستدل له بأدلة. منها مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها بالفعل في جميع وضوئه. ومنها حديث عائشة عند البيهقي بلفظ: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لابد منه. ومنها أنه من تمام غسل الوجه، فالأمر بغسله أمر بها، ولا موجب لتخصيصه بظاهره دون باطنه، فإن الجميع في لغة العرب يسمى وجهاً. ومنها حديث أبي هريرة المتفق عليه: إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر. ومنها حديث سلمة بن قيس عند الترمذي والنسائي: بلفظ إذا توضأت فاتنثر. ومنها حديث لقيط بن صبرة الآتي في الفصل الثاني، وفيه "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً." وفي رواية من هذا الحديث "إذا توضأت فمضمض" أخرجها أبوداود وغيره. ومنها حديث أبي هريرة عند الدارقطني: بلفظ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمضمضة والاستنشاق. واستدل من قال: بالسنية في الوضوء بقوله عليه السلام للأعرابي "توضأ كما أمرك الله"، فأحال على الآية، وليس فيها ذكر المضمضة والاستنشاق والاستنثار. وأجيب عنه بأنه قد صح أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها، والواجب الأخذ بما صح عنه، ولا يكون الاقتصار على البعض في مبادئ التعليم ونحوها موجبا لصرف ما ورد بعده وإخراجه عن الوجوب، وبأن الأمر بغسل الوجه أمر بها كما تقدم، وارجع لمزيد التفصيل إلى النيل للشوكاني، والهدي لابن القيم، والمغني لابن قدامة. (ثلاثاً) أي بثلاث غرفات وهذا ظاهر في الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفة، والرواية الآتية المتفق عليها أظهر في ذلك، واختلفوا في الأفضل بعدما اتفقوا على جواز الوصل والفصل كليهما، فذهب أحمد والشافعي إلى أفضلية الوصل والجمع، وهو المذهب الصحيح المختار عندي؛ لأن رواية الجمع أكثر وأصرح وأصح، وأما ما جاء في بعض الأحاديث من الفصل فهو محمول على الجواز، وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي أحاديث الوصل مع الجواب عن دلائل الحنفية والمالكية القائلين بأفضلية الفصل فارجع إليه. (ثم غسل) أي بيديه لحديث على عند أبي داود وغيره. (وجهه) هو من منابت شعر الرأس إلى أسفل الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضاً. (ثم غسل يديه مرتين مرتين) وفي رواية لمسلم: غسل يده اليمنى ثلاثاً، ثم الأخرى ثلاثاً، فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديث غير متحد. (إلى المرفقين) ، أي مع المرفقين، فهما داخلان في غسل اليدين. والدليل على ذلك فعله - صلى الله عليه وسلم -، ففي الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء: فغسل يديه إلى المرفقين، حتى مس أطراف العضدين، وفيه عن جابر، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه، لكن إسناده ضعيف. وفي البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء: وغسل ذراعيه حتى جاوز المرافق. وفي الطحاوى من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعاً: ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه. فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا. قال إسحاق بن راهوية "إلى" في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى مع، فينبت السنة