للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بتكميل الغسل وإبلاغ الماء كل ظاهر أعضائه، فقوله: (أسبغوا) تأكيد للوعيد المذكور عام، يشمل الرجلين وغيرهما من أعضاء الوضوء، لأنه لم يقل أسبغوا الرجلين، بل قال: أسبغوا الوضوء، ومطلوبية الإسباغ غير مختصة بالرجلين فكما أنه مطلوب فيهما كذلك مطلوب في غيرهما. وتخصيص الوعيد بلفظ الأعقاب؛ إنما هو لأجل تقصيرهم في وظيفة الرجلين. والحديث يدل على وجوب غسل الرجلين في الوضوء، وهو مذهب جمهور المحدثين والمفسرين من أهل السنة. قال الحافظ: قد تواترت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة وضوئه أنه غسل رجليه، وهو المبين لأمر الله، وقد قال في حديث عمرو بن عبسة الذى رواه ابن خزيمة وغيره مطولاً في فضل الوضوء: ثم يغسل قدميه كما أمره الله، ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا من علي، وابن عباس، وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى أجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على غسل القدمين، رواه سعيد بن منصور. وقال الطيبي: ذهب الشيعة إلى أنه يمسح على الرجلين، لقوله تعالى: {وامسحوا برؤسكم وأرجلكم} [٦:٥] على قراءة الجر، فإنه تعالى عطف الرجل على الرأس والرأس يمسح فكذا الرجل. قلنا: وقد قرئ بالنصب عطفاً على قوله: {وأيديكم} وإذا ذهب إلى المسح يبقى مقتضى النص غير معمول به، بخلاف العكس فإن المسح مغمور بالغسل، على أن الأحاديث الصحيحة تواترت معاضدة لقراءة النصب، فوجب تأويل القراءة بالكسر، وفيه وجوه: أحدها العطف على الجوار كقوله تعالى: {عذاب يوم أليم} [٢٦:١١) والأليم صفة العذاب فأخذ إعراب "اليوم" للمجاورة، وقوله تعالى: {عذاب يوم محيط} [٨٤:١١] {وحور عين} بالجر بعد قوله: {يطوف عليهم ولدان مخلدون، بأكواب وأباريق} [١٨،١٧:٥٦] لأن حور لا يصلح عطفها على أكواب، لأن الحور لا يطاف بها. والثاني الاستغناء بأحد الفعلين عن الآخر، والعرب إذا اجتمع فعلان متقاربان في المعنى، ولكل واحد منهما متعلق جوزت ذكر أحد الفعلين وعطف متعلق المحذوف على متعلق المذكور على حسب ما يقتضيه لفظه، حتى كأنه شريكه في أصل الفعل كما قال الشاعر:

يا ليت بعلك قد غدا ... ... متقلداً سيفاً ورمحا

وكقول الأخر: ... ... علفتها تبناً وماءً باردا

تقديره علفتها تبناً وسقيتها ماءًا بارداً، ومتقلداً سيفاً، وحاملاً رمحاً. والثالث قول الزجاج: يجوز {أرجلكم} بالخفض على معنى فاغسلوا؛ لأن قوله تعالى: {إلى الكعبين} قد دل عليه؛ لأن التحديد يفيد الغسل، كما في قوله تعالى: {إلى المرافق} ولو أريد المسح لم يحتج إلى التحديد، كما في قوله: {وامسحوا برؤسكم} من غير تحديد، ويطلق المسح على الغسل انتهى. قال العلامة السيد محمود الآلوسي البغدادي المتوفي سنة ١٢٧٠هـ في تفسيره روح المعاني (ج٦: ص٧٣) : وفي الأرجل ثلاث قراءات، واحدة شاذة، واثنتان متواترتان، أما الشاذة فالرفع وهي قراءة الحسن، وأما المتواترتان فالنصب وهي قراءة نافع، وابن عامر، وحفص، والكسائي، ويعقوب. والجر وهي قراءة ابن كثير، وحمزة، وأبي عمرو، وعاصم، وفي رواية أبي بكر عنه. ومن هنا اختلف الناس في غسل الرجلين ومسحهما، قال الإمام الرازي: فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس، وأنس بن مالك، وعكرمة، والشعبي، وأبي جعفر محمد بن علي الباقر: أن الواجب فيهما المسح وهو مذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>