الإمامية، وقال جمهور الفقهاء والمفسرين: فرضهما الغسل. وقال داوود: يجب الجمع بينهما، وهو قول الناصر للحق من الزيدية. وقال الحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين المسح والغسل. وحجة القائلين بالمسح قراءة الجر، فإنها تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤس، فكما وجب المسح فيها وجب فيها، والقول أنه جر بالجوار كما في قولهم: هذا جحر ضبٍ خربٍ، وقوله:
كأن ثبيرا في عرانين وبله كبير أناس في بجادٍ مزملٍ
باطل من وجوه: أولها أن الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر، وكلام الله تعالى يجب تنزيهه عنه. وثانيها أن الكسر إنما يصار إليه حيث حصل الأمن من الالتباس كما في ما استشهدوا به، وفي الآية الأمن من الالتباس غير حاصل. وثالثها أن الجر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب، وردوا قراءة النصب إلى قراءة الجر فقالوا: إنها تقتضي المسح أيضاً لأن العطف حينئذٍ على محل الرؤوس لقربه فيتشاركان في الحكم، وهذا مذهب مشهور للنحاة. ثم قالوا: أو لا يجوز رفع ذلك بالأخبار، لأنها بأسرها من بابا الآحاد، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز، ثم قال الإمام: واعلم أنه لا يمكن الجواب عن هذا إلا من وجهين الأول: أن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل، والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه، وعلى هذا يجب القطع بأن غسل الأرجل يقوم مقام مسحهما والثاني: أن فرض الأرجل محدود إلى الكعبين، والتحديد إنما جاء في الغسل لا المسح، والقوم أجابوا منه بوجهين: الأول: أن الكعب عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق إلا أنهم التزموا أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين، وحينئذٍ لا يبقى هذا السؤال. انتهى. ولا يخفى أن بحث الغسل والمسح مما كثر فيه الخصام، وطالما زلت فيه الأقدام، وما ذكره الإمام يدل على أنه راجل في هذا الميدان، وضالع لا يطيق العروج إلى شاوى ضليع، وتحقيق تبتهج به الخواطر والأذهان، فلنبسط الكلام في تحقيق ذلك رغماً لأنوف الشيعة، السالكين من السبل كل سبيل هالك، فنقول وبالله تعالى التوفيق: إن القراءتين متواترتان بإجماع الفريقين، بل بإطباق أهل الإسلام كلهم، ومن القواعد الأصولية عند الطائفتين، أن القراءتين المتواترتين إذا تعارضتا في آية واحدة فلهما حكم آيتين، فلا بد لنا أن نسعى ونجتهد في تطبيقهما أولاً مهما أمكن؛ لأن الأصل في الدلائل الإعمال دون الإهمال كما تقرر عند أهل الأصول، ثم نطلب بعد ذلك الترجيح بينهما، ثم إذا لم يتيسر لنا الترجيح بينهما نتركهما ونتوجه إلى الدلائل الأخر من السنة، وقد ذكر الأصوليون أن الآيات إذا تعارضت بحيث لا يمكن التوفيق ثم الترجيح بينهما يرجع إلى السنة، فإنها لما لم يمكن لنا العمل بها صارت معدومة في حقنا من حيث العمل، وإن تعارضت السنة كذلك نرجع إلى أقوال الصحابة وأهل البيت، أو نرجع إلى القياس عند القائلين بأن قياس المجتهد يعمل به عند التعارض، فلما تأملنا في هاتين القراءتين في الآية وجدنا التطبيق بينهما على قواعدنا من وجهين: الأول أن يحمل المسح على الغسل كما صرح به أبوزيد الأنصاري وغيره من أهل اللغة، فيقال للرجل إذا توضأ: تمسح. ويقال: مسح الله تعالى ما بك، أي أزال عنك المرض. ومسح الأرض المطر إذا غسلها، فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس في قراءة الجر لا يتعين كونها ممسوحة بالمعنى الذي يدعيه الشيعة، واعترض ذلك من وجوه: أولها: