للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن فائدة اللفظين في اللغة والشرع مختلفة، وقد فرق الله تعالى بين الأعضاء المغسولة والممسوحة فكيف يكون معنى الغسل والمسح واحداً. وثانيها: أن الأرجل إذا كانت معطوفة على الرؤوس وكان الفرض في الرؤوس المسح الذي ليس بغسل بلا خلاف وجب أن يكون حكم الأرجل كذلك، وإلا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، وثالثها: أنه لو كان المسح بمعنى الغسل يسقط الاستدلال على الغسل بخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - غسل رجليه؛ لأنه على هذا يمكن أن يكون مسحهما، فسمى المسح غسلا، ورابعها: أن استشهاد أبي زيد بقولهم: تمسحت للصلاة، لا يجدى نفعا، لاحتمال أنهم لما أرادوا أن يخبروا عن الطهور بلفظ موجز، ولم يجز أن يقولوا تغسلت للصلاة، لأن ذلك يوهم الغسل، قالوا بدله: تمسحت، لأن المغسول من الأعضاء ممسوح أيضاً، فتجوزوا بذلك تعويلاً على فهم المراد، وذلك لا يقتضي أن يكونوا جعلوا المسح من أسماء الغسل. وأجيب عن الأول بأنا لا ننكر اختلاف فائدة اللفظين لغةً وشرعاً، ولا تفرقة الله تعالى بين المغسول والممسوح من الأعضاء، لكنا ندعى أن حمل المسح على الغسل في بعض المواضع جائز، وليس في اللغة والشرع ما يأباه على أنه قد ورد ذلك في كلامهم. وعن الثاني بأنا نقدر لفظ "امسحوا" قبل {أرجلكم} أيضاً وإذا تعدد اللفظ فلا بأس بأن يتعدد المعنى، ولا محذور فيه، فقد نقل شارح زبدة الأصول من الإمامية أن هذا القسم من الجمع بين الحقيقة والمجاز جائز، بحيث يكون ذلك اللفظ في المعطوف عليه بالمعنى الحقيقي، وفي المعطوف بالمعنى المجازى، وقالوا في الآية {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنباً إلا عابرى سبيل} [٤٣:٤] : أن الصلاة في المعطوف عليه بالمعنى الحقيقي الشرعي، وهو الأركان المخصوصة، وفي المعطوف بالمعنى المجازى، وهو المسجد، فإنه محل الصلاة، وادعى ذلك الشارح أن هذا نوع من الإستخدام، وبذلك فسر جمعٌ من مفسرى الإمامية وفقهائهم. وعليه فيكون هذا العطف من عطف الجمل في التحقيق، ويكون المسح المتعلق بالرؤوس بالمعنى الحقيقي، والمسح المتعلق بالأرجل بالمعنى المجازي، على أن من أصول الإمامية كالشافعية جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وكذا استعمال المشترك في معنييه. ويحتمل هنا إضمار الجار تبعاً للفعل فتدبر. ولا يشكل أن في الآية حينئذٍ إبهاماً، ويبعد وقوع ذلك في التنزيل، لأنا نقول: إن الآية نزلت بعد ما فرض الوضوء، وعلمه عليه الصلاة والسلام روح القدس إياه في إبتداء البعثة بسنين، فلا بأس أن يستعمل فيها هذا القسم من الإبهام، فإن المخاطبين كانوا عارفين بكيفية الوضوء، ولم تتوقف معرفتهم بها على الاستنباط من الآية ولم تنزل الآية لتعليمهم بل سوقها لإبدال التيمم من الوضوء والغسل في الظاهر، وذكر الوضوء فوق التيمم للتمهيد، والغالب فيما يذكر لذلك عدم البيان المشبع. وعن الثالث: بأن حمل المسح على الغسل لداعٍ لا يستلزم حمل الغسل على المسح بغير داعٍ، فكيف يسقط الاستدلال؟ سبحان الله تعالى هذا هو العجب العجاب. وعن الرابع: بأنا لا نسلم أن العدول عن "تغسلت" لإبهامه الغسل، فإن "تمسحت" يوهم ذلك أيضاً، بناءً على ما قاله من أن المغسول من الأعضاء ممسوح أيضاً، سلمنا ذلك، لكنا لم نقتصر في الاستشهاد على ذلك، ويكفي مسح الأرض المطر في الفرض. والوجه الثاني: أن يبقى المسح على الظاهر، وتجعل الأرجل على تلك القراءة معطوفة على المغسولات، كما في قراءة النصب والجر للمجاورة، واعتراض أيضاً من وجوه، الأول والثاني والثالث ما ذكره الإمام من عد الجر بالجوار لحناً، وأنه إنما يصار إليه عند أمن الالتباس، ولا أمن فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>