نحن فيه، وكونه إنما يكون بدون حرف العطف. والرابع: أن في العطف على المغسولات سواءٌ كان المعطوف منصوب اللفظ أو مجروره، الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية ليست اعتراضية، وهو غير جائز عند النحاة، على أن الكلام حينئذٍ من قبيل "ضربت زيداً وأكرمت خالداً وبكراً" بجعل بكر عطفاً على زيد، أو إرادة أنه مضروب لا مكرم، وهو مستهجن جداً تنفر عنه الطباع، ولا تقبله الأسماع فكيف يجنح إليه أو يحمل كلام الله تعالى عليه وأجيب عن الأول بأن إمام النحاة الأخفش وأبا البقاء وسائر مهرة العربية وأئمتها جوزوا جر الجوار، وقالوا بوقوعه في الفصيح كما ستسمعه إنشاء الله تعالى ولم ينكره إلا الزجاج، وإنكاره مع ثبوته يدل على قصور تتبعه، ومن هنا قالوا: المثبت مقدم على النافي. وعن الثاني: بأنا لا نسلم أنه إنما يصار إليه عند أمن الالتباس، ولا نقل في ذلك عن النحاة في الكتب المعتمدة، نعم: قال بعضهم: شرط حسنه عدم الالتباس مع تضمن نكتة وهو هنا كذلك، لأن الغاية دلت على أن هذا المجرور ليس بمسموح، إذا المسح لم يوجد مغياً في كلامهم، ولذا لم يغي في آية التيمم، وإنما يغي الغسل، ولذا غي في الآية حين احتج إليه، فلا يرد أنه لم يغي غسل الوجه لظهور الأمر فيه، ولا قول المرتضى أنه لا مانع من تغييه. والنكتة فيه الإشارة إلى تخفيف الغسل حتى كأنه مسح. وعن الثالث: بأنهم صرحوا بوقوعه في النعت كما سبق من الأمثلة، وقوله تعالى:{عذاب يومٍ محيطٍ}[٨٤:١١] بجر {محيط} مع أنه نعت للعذاب. وفي التوكيد كقوله:
الأبلغ ذوى الزوجات (كلهم) ... ... أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب
بجر "كلهم" على ما حكاه الفراء. وفي العطف كقوله تعالى:{وحورٌ عينٌ، كأمثال اللؤ لؤ المكنون}[٢٣،٢٢:٥٦] على قراءة حمزة، والكسائي، وفي رواية المفضل عن عاصم فإنه مجرور بجر {أكواب وأباريق} ومعطوف على {ولدان مخلدون} . وقول النابغة:
لم يبق إلا أسير غير منفلت ... ... و (موثق) في حبال القد مجنوب
يجر "موثق" مع أن العطف على "أسير" وقد عقد النحاة لذلك بابا على حدة لكثرته، ولما فيه من المشاكلة، وقد كثر في الفصيح حتى تعدوا عن اعتباره في الإعراب إلى التثنية والتأنيث وغير ذلك، وكلام ابن الحاجب في هذا المقام لايعبأ به. وعن الرابع بأن لزوم الفصل بالجملة إنما يخل إذا لم تكن جملة {وامسحوا برؤسكم} متعلقة بجملة المغسولات، فإن كان معناها وامسحوا الأيدي بعد الغسل برؤسكم فلا إخلال كما هو مذهب كثير من أهل السنة، من جواز المسح ببقية ماء الغسل واليد المبلولة من المغسولات، ومع ذلك لم يذهب أحدٌ من أئمة العربية إلى امتناع الفصل بين الجملتين المتعاطفتين، أو معطوف ومعطوف عليه، بل صرح الأئمة بالجواز، بل نقل أبوالبقاء إجماع النحويين على ذلك، نعم! توسط الأجنبي في كلام البلغاء يكون لنكتة وهي هنا ما أشرنا إليه. أو الإيماء إلى الترتيب، وكون الآية من قبيل ما ذكر من المثال في حين المنع، وربما تكون كذلك لو كان النظم "وامسحوا رؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين" والواقع ليس كذلك وقد ذكر بعض أهل السنة أيضاً وجهاً آخر في التطبيق، وهو أن قراءة الجر محمولة على حالة التخفف، وقراءة النصب على حال دونه واعترض بأن الماسح على الخف ليس ماسحاً على الرجل حقيقةً ولا حكماً، لأن الخف اعتبر