أحد منهم النسخ حتى يتكلف لإثباته كما ظنه من لا وقوف له وما يزعمه الإمامية من نسبة المسح إلى ابن عباس - رضي الله عنهما-، وأنس بن مالك وغيرهما كذب مفتري عليهم، فإن أحداً منهم ما روى عنه بطريق صحيح أنه جوز المسح إلا ابن عباس، فإنه قال بطريق التعجب: لا نجد في كتاب الله تعالى إلا المسح ولكنهم أبوا إلا الغسل. ومراده أن ظاهره الكتاب يوجب المسح على قراءة الجر التي كانت قراءته، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يفعلوا إلا الغسل، ففي كلامه هذا إشارة إلى أن قراءة الجر مؤولة متروكة الظاهر بعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم-، ونسبة جواز المسح إلى أبي العالية، وعكرمة، والشعبي زور وبهتان أيضاً، وكذلك نسبة الجمع بين الغسل والمسح، أو التخيير بينهما إلى الحسن البصري - عليه الرحمة-، ومثله نسبة التخيير إلى محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير والتفسير الشهير، وقد نشر رواة الشيعة هذه الأكاذيب المختلفة، ورواها بعض أهل السنة ممن لم يميز الصحيح والسقيم من الأخبار بلا تحقق ولا سند، واتسع الخرق على الراقع. ولعل محمد بن جرير القائل بالتخيير هو محمد بن جرير بن رستم الشيعي صاحب الإيضاح للمترشد في الإمامة، لا أبوجعفر محمد بن جرير بن غالب الطبري الشافعي الذي هو من أعلام أهل السنة، والمذكور في تفسير هذا هو الغسل فقط لا المسح، ولا الجمع، ولا التخيير الذي نسبه الشيعة إليه. ولا حجة لهم في دعوى المسح بما روى عن أمير المؤمنين علي - كرم الله وجهه-: أنه مسح وجهه ويديه، ومسح رأسه ورجليه، وشرب فضل طهوره قائماً، وقال: إن الناس يزعمون أن الشرب قائماً لا يجوز، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع مثل ما صنعت، وهذا وضوء من لم يحدث. لأن الكلام في وضوء المحدث لا في مجرد التنظيف بمسح الأطراف، كما يدل عليه ما في الخبر من مسح المغسول اتفاقاً. وأما ما روى عن عبادة بن تميم، عن عمه بروايات ضعيفة: أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على قدميه. فهو كما قال الحافظ: شاذ منكر، لا يصلح للاحتجاج، مع احتمال حمل القدمين على الخفين ولو مجازاً، واحتمال اشتباه القدمين المتخففين بدون المتخففين من بعيد، ومثل ذلك عند من اطلع على أحوال الرواة ما رواه الحسين بن سعيد الأهوازي، عن فضالة، عن حماد بن عثمان، عن غالب بن هذيل، قال: سألت أبا جعفر - رضي الله عنه- عن المسح على الرجلين فقال: هو الذي نزل به جبرئيل عليه السلام، وما روى عن أحمد بن محمد قال: سألت أبا الحسن موسى بن - جعفر رضي الله عنه- عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع بكفيه على الأصابع ثم مسحهما إلى الكعبين، فقلت له، لو أن رجلاً قال بأصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين أيجزئ؟ قال: لا إلا بكفه كلها إلى غير ذلك مما روته الإمامية في هذا الباب، ومن وقف على أحوال رواتهم لم يعول على خبر من أخبارهم، وقد ذكرنا نبذة من ذلك في كتابنا "النفحات القدسية في رد الإمامية" على أن لنا أن نقول: لو فرض أن حكم الله تعالى المسح على ما يزعمه الإمامية من الآية فالغسل يكفي عنه، ولو كان هو الغسل لا يكفي عنه فبالغسل يلزم الخروج عن العهدة بيقين دون المسح، وذلك لأن الغسل محصل لمقصود المسح من وصول البلل وزيادة وهذا مراد من عبر بأنه مسح وزيادة، فلا يرد ما قيل من أن الغسل والمسح متضادان لا يجتمعان في محل واحد كالسواد والبياض، وأيضاً كان يلزم الشيعة الغسل لأنه الأنسب بالوجه المعقول من الوضوء، وهو التنظيف للوقوف بين يدي رب الأرباب- سبحانه وتعالى لأنه الأحوط أيضاً لكون