٤٣٧- (٤) وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: ((قالت أم سليم: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! إن الله لا يستحي من الحق،
ــ
من رؤية الجماع، فإنه لا يجب الغسل في الاحتلام إلا بالانزال لا بالمجامعة، وهو تأويل يجمع بين الحديثين من غير تعارض، وهذا رأى من ابن عباس، تأول به الحديث، ولعله لم يبلغه التفصيل الذي في حديث أبي سعيد عند مسلم، وحديث رافع بن خديج عند أحمد، فإنه صريح في نفي هذا التأويل. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي: يمكن أن يقال: أن قول ابن عباس هذا ليس تأويلاً للحديث، وإخراجاً له بهذا التأويل من كونه منسوخاً، بل غرضه بيان حكم المسألة بعد العلم بكونه منسوخاً، وحاصله أن عمومه منسوخ، فبقى الحكم في الاحتلام – انتهى. وقال بعضهم: حديث "إنما الماء من الماء" في المباشرة كما ذكره ابن رسلان في شرح أبي داود، وقيل: المراد من الماء الثاني الأعم من الحقيقي، وهو المنى، والحكمى، وهو الإيلاج، قلت: يأبي هذه التأويلات التفصيل المذكور في حديث أبي سعيد، فأرجح الأقوال وأسلمها أنه منسوخ. (رواه الترمذي ولم أجده) أي: قول ابن عباس (في الصحيحين) كأنه اعتراض على محى السنة، حيث أورد قول ابن عباس هذا في الصحاح، ولا اعتراض في ذلك عليه، لأنه إنما أورد قوله لبيان توجيه رواية مسلم، أعنى حديث "إنما الماء من الماء"، لا أنه مقصود الباب، فعدم وجوده في الصحيحين لا يضره، لأن ذلك الشرط إنما هو في مقاصد الباب، وهو ظاهر لمن تصفح وتتبع كتاب المصابيح.
٤٣٧- قوله:(قالت أم سليم) بضم السين مصغراً، هي أم سليم بنت ملحان، الأنصارية، والدة أنس بن مالك، يقال: اسمها سهلة أو رميلة، أو رميثة، أو أنيثة، أو مليكة، وهي الغميصاء، أو الرميصاء، ثبت ذلك البخاري، اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيات الفاضلات، لها أربعة عشر حديثاً، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين، وقال ابن عبد البر: كانت تحت مالك بن النضر في الجاهلية فولت له أنساً، فلما جاء الله بالاسلام, أسلمت وعرضت على زوجها الإسلام، فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك، فتزوجت بعده أبا طلحة، خطبها وهو مشرك فأبت عليه إلا أن يسلم، فأسلم فتزوجته، فولت له غلاماً كان قد أعجب به، فمات صغيراً، فأسف عليه، وقيل: إنه أبوعمير صاحب النغير، ثم ولدت له عبد الله بن أبي طلحة فبورك فيه، وهو والد اسحق بن عبد الله بن أبي طلحة الفقيه وإخوته، وكانوا عشرة، كلهم حمل عنه العلم، وروى عن أم سليم، قالت: لقد دعا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ما أريد زيادة، ومناقبها كثيرة شهيرة. ماتت في خلافة عثمان (إن الله لا يستحي من الحق) بيائين على الأصل بعد سكون الحاء، أي لا يمتنع من بيان الحق، ولا يتركه ترك الحيي منا، فكذا لا أمتنع أنا من سؤالي عما أنا محتاجة إليه. وقيل: المعنى: إن الله لا يأمر بالحياء في الحق ولايبيحه، وإنما قالت هذا اعتذاراً بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه مما تستحي النساء في العادة عن السؤال عنه، وذكره بحضرة الرجال