لا في الصلاة. وتقييد جواز ذلك بالسفر لا دليل عليه، بل الظاهر أن المراد مطلق المار، لأن المسافر ذكر بعد ذلك فيكون تكرارا يصان القرآن عن مثله- انتهى. وقال ابن عباس في قوله:"ولا جنباً إلا عابري سبيل": لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل، قال: تمر به مراً ولا تجلس. ذكره ابن كثير في تفسيره نقلاً عن ابن أبي حاتم. والحاصل أن المراد بالصلاة في الآية مواضعها، فهو مجاز من ذكر الحال وإرادة المحل بقرينه قوله:"إلا عابري سبيل" فإنه يدل عليه بحسب الظاهر كما تقدم، فالمراد منه هو المجتاز في المسجد لا المسافر. والمعنى: لا تقربوا مواضع الصلاة وهي المساجد في حال الجنابة إلا أن تكونوا مجتازين فيها من جانب إلى جانب. وقيل: المراد من الصلاة معناها الحقيقي، وبقربها القيام إليها والتلبس بها إلا أنه نهى عن القرب مبالغة، والمعنى: لا تصلوا في حالة السكر حتى تعلموا, ولا حال كونكم جنباً إلا أن تكونوا عابري سبيل، والمراد به هنا السفر، أي: فيجوز لكم أن تصلوا بالتيمم. ولا يخفى ما فيه من التكلف. ويمكن أن يقال: إن بعض قيود النهي أعني"لا تقربوا" وهو قوله: وأنتم سكارى, يدل على أن المراد بالصلاة معناها الحقيقي، وبعض قيود النهي وهو قوله: إلا عابري سبيل، يدل على أن المراد مواضع الصلاة, ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه، ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد، وهما لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى، ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنباً إلا حال عبوركم المسجد من جانب إلى جانب. وغاية ما يقال في هذا: أنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو جائز بتأويل مشهور، وقال بعض الحنفية: والذي تبين لي أن الآية سيقت لبيان أحكام الصلاة ثم انسحبت على ذكر موضعها أيضاً، فالحكم في القطعة الأولى للعبادة وفي الثانية لمواضع العبادة، فإن شئت سميته صنعة الاستخدام أو غيرها- انتهى بقدر الضرورة. وقال ابن جرير بعد حكايته للقولين: والأولى قول من قال: ولا جنباً إلا عابري سبيل إلا مجتازي طريق فيه، ثم بين وجه ذلك. وحاصله الصون من التكرار الذي يحصل في صورة حمل العبور على السفر. قال: فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضاً جنباً حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل. قال: وعابر السبيل المجتاز مراً وقطعاً. قال ابن كثير: وهذا الذي نصره يعني ابن جرير هو قول الجمهور، وهو الظاهر من الآية. (رواه أبوداود) من طريق أفلت بن خليفة، عن جسرة بنت دجاجة، عن عائشة. والحديث قد ضعفه ابن حزم فقال: أفلت مجهول الحال، ورد عليه بأن أفلت وثقه ابن حبان. وقال أبوحاتم، هو شيخ. وقال أحمد، لا بأس به. وروى عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد. وقال في الكاشف، صدوق. وقال في البدر المنير، هو مشهور ثقة. وقال العجلي، جسرة تابعية ثقة. وذكرها ابن حبان في الثقات. وقد حسن ابن القطان حديث جسرة هذا عن عائشة. وصححه ابن خزيمة. قال ابن سيد الناس، ولعمري أن التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته، ووجود الشواهد له من خارج، فلا حجة لأبي محمد يعني ابن حزم في رده. قلت: وقد سكت عنه أبوداود، وله شاهد