ضعيفاً والآخر قوياً فلا، لعدم التعارض حينئذٍ، بل يقدم القوي على الضعيف، لأن القوي لا يؤثر فيه مخالفة الضعيف، وأيضاً قد نفى ابن مسعود شهوده ليلة الجن مطلقاً، ولم يقيده بحال دون حال، فتخصيص إنكاره بوقت دون وقت من غير قرينة مما لا يصغي إليه. وقال بعضهم إن حديث النفي قد أسقط الرواة منه حرفاً. قال ابن قتيبة في مختلف الحديث (ص١١٩) بعد ما ذكر حديثاً أسقط الرواة منه حرفاً فاختل بسببه المعنى: وهذا مثل قول ابن مسعود في ليلة الجن: ما شهدها أحد غيري، فأسقط الراوي"غيري" قلت: هذه مجرد دعوى من غير بينه ولا برهان، فلا يلتفت عليها، فإن نسبة الغلط والإسقاط إلى الثقات العدول من غير دليل مما يرفع الأمان من السنن النبوية، وأما الاستشهاد على ذلك بما رواه الحاكم في المستدرك (ج٢:ص٥٠٣) عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه وهو بمكة:" من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل، فلم يحضر منهم أحد غيري"، الحديث. ففيه أن في سنده أبا عثمان بن سنة الشامي، وهو مجهول، قال أبوزرعة: لا أعرفه. وقال الذهبي في الميزان: ما أعرف روى عنه غير الزهري- انتهى. ولذا لم يصححه الحاكم. وقال الذهبي في تلخيصه: هو صحيح عند جماعة- انتهى. ولم يذكر الذهبي أسماء الجماعة حتى يعرف مرتبتهم في تصحيح الحديث وتضعيفه، ولو سلم صحته فهو مخالف ومناقض لما هو أقوى منه أن ابن مسعود قال: لم أكن ليلة الجن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على أنه ليس في رواية الحاكم هذه ذكر الوضوء بالنبيذ. وقال بعضهم: إن المثبت مقدم على النافي. قلت: هذا إذا كانت رواية الإثبات مساوية لرواية النفي في القوة والصحة، وأما إذا كانت رواية الإثبات ضعيفة، فالترجيح لرواية النفي لقوتها وصحتها. وقد علمت أن رواية إنكار ابن مسعود لشهوده ليلة الجن صحيحة لا تقاومها رواية الإثبات. ومن وجوه الطعن في حديث ابن مسعود هذا أنه مخالف لكتاب الله، لأن الله تعالى قال:{فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيباً} ، والنبيذ ليس بماء. قال الزيلعي في نصب الراية (ج١:ص١٤٦) أنه عليه السلام قال: هل معك ماء؟ قال: لا. فدل على أن الماء استحال في التمر حتى سلب عنه اسم الماء وإلا لما صح نفيه عنه- انتهى. أو يقال: إن ماء النبيذ لا يسمى ماء مطلقاً، فواجده ليس واجد ماء، فيجب عليه التيمم بنص الكتاب، وعلى تقدير صحة الحديث كان ينبغي لأولئك أن يؤولوا هذا الحديث ليوافق الآية، على أن تلك التمرات الملقاة في الماء لم تغيره، وتسمية ابن مسعود له نبيذاً من المجاز الأول، أو المراد به الوضع اللغوي وهو ما ينبذ فيه شيء وإن لم يغيره وأجاب أيضاً الجمهور عن حديث ابن مسعود هذا بأنه لو كان صحيحاً وهو غير صحيح، فهو من أحاديث الآحاد، فلا يعارض الكتاب ولو صلح معارضاً لكان منسوخاً بآيتي النساء والمائدة، لأنهما مدنيتان بلا خلاف. وحديث ابن مسعود هذا إنما زعم رواته أنه كان ليلة الجن في مكة وهي قبل الهجرة. قال السندهي: قد اعترف المحققون كالنووي، والتوربشتي، والمحقق ابن الهمام بقوة هذا الكلام، وقال المحقق: إنه الذي مال إليه المتأخرون-انتهى. وقال صاحب البذل (ج١:ص٥٥) بعد ذكر رواية التيمم عن أبي يوسف: وهي الرواية المرجوع إليها عن أبي حنيفة وقوله الأخير، وعليه الفتوى، واختاره الطحاوي، وهو المذهب المصحح المختار عندنا، لأن الحديث وإن صح آية التيمم ناسخة له إذ هي مدنية- انتهى. وقال الطحاوي في شرح الآثار (ج١:ص٥٨) قد أجمع الناس على أنه لا يجوز الوضوء به أي: