٤٩٥- (٣) وعن أنس، قال:((بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذا جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد. فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مه مه. فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزرموه، دعوه. فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه، فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر. وإنما هي لذكرالله،
ــ
إلى المقصود وهو تطهير الأرض واستدل بالحديث على أن الأرض إذا أصابتها نجاسة فجفت بالشمس أو بالهواء لا تطهر، لأنه لو كفى ذلك لما حصل التكليف بطلب الماء. وفيه نظر لأن ذكر الماء في الحديث لوجوب المبادرة إلى تطهير المسجد، لأنه كان نهاراً وقد لا يجف قبل وقت الصلاة، فبادر إلى تطهيره بالماء، أو لأن الوقت كان إذ ذاك قد آن، أو أريد إذ ذاك أكمل الطهارتين المتيسر في ذلك الوقت، وفي تركه إلى الجفاف تأخير لهذا الواجب مع ما فيه من المفاسد التي أشرنا إليها، وإذا تردد الحال بين الأمرين لا يكون دليلاً على أحدهما بعينه. والدليل على كون الجفاف مطهراً للأرض ما رواه أبوداود عن ابن عمر: كانت الكلاب تبول، وتقبل، وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون من ذلك. وقد بوب عليه أبوداود بقوله: باب في طهور الأرض إذا يبست. فاستدل به على طهارة الأرض المتنجسة بالجفاف، فإن قوله: لم يكونوا يرشون، يدل على نفي صب الماء من باب الأولى، فلولا أن الجفاف يفيد تطهير الأرض ما تركوا ذلك. ولا مخالفة بين حديث ابن عمر هذا وبين حديث أبي هريرة، فإنه يقال: إن الأرض تطهر بوجهين أعني بصب الماء وبالجفاف، واختار - صلى الله عليه وسلم - في حديث الأعرابي أحد المطهرين وهو الماء مبادرة إلى التطهير. ويدل على كون الجفاف مطهراً قول أبي جعفر محمد بن علي الباقر: زكاة الأرض يبسها. أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق. (رواه البخاري) في الطهارة وفي الأدب، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
٤٩٥- قوله:(مه مه) اسم فعل مبني على السكون، معناه اكفف، لأنه كلمة زجر أصله "ما هذا؟ ثم حذف تخفيفاً، وتقال: مكررة للتأكيد، ومفردة، وقد تنون مع الكسر، فيقال مَه مَه. (لا تزرموه) بضم التاء وسكون الزاى وكسر الراء من الازرام، وهو القطع أي: لا تقطعوا عليه بوله، فإنه يضره، ويحصل من تقويمه من محله مع ما قد حصل من تنجيس المسجد تنجيس بدنه وثيابه ومواضع من المسجد غير الذي وقع فيه البول أو لا. (دعاه) أي: طلب ذلك الأعرابي ليعلمه بما يجب للمساجد على أبلغ وجه وألطفه. (إن هذه المساجد) الإشارة للتعظيم، وإنما جمع لئلا يتوهم تخصيص الحكم بمسجده - صلى الله عليه وسلم -. (لشيء من هذا البول) الإشارة للتحقير. (والقذر) بفتح الذال، ما يتنفر منه الطبع كالنجاسات والأشياء المنتنة، فذكره بعد البول يكون تعميما بعد تخصيص، قاله ابن الملك. (وإنما هي لذكرالله) قال الشوكاني في النيل (ج١:ص٤٣)