للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فتناوله الناس. فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء - أو ذنوباً من ماء - فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)) .

ــ

أي: مسجد النبي. (فتناوله الناس) أي: بألسنتهم سبا وشتما. أو أرادوا أن يتناولوه بأيديهم فقد قاموا إليه كما في بعض الروايات. (دعوه) أمر بصيغة الجمع من ودع يدع أي: أتركوه فإنه معذور لأنه لم يعلم عدم جواز البول في المسجد لقربه بالإسلام. وقيل: لئلا يتعدد مكان النجاسة. وقيل لئلا يتضرر بانحباس البول. (وهريقوا) . بفتح الهاء أمر من هراق الماء يهرقه أي: صب، وأصله أراق يريق إراقة من باب الإفعال، أبدلت الهاء بالهمزة فصار هراق. وفيه لغة أخرى أهرق الماء يهرقه إهراقاً على وزن أفعل أفعالاً. قال سيبويه: قد أبدلوا من الهمزة الهاء ثم لزمت فصارت كأنها من نفس الكلمة، وحذفت الألف بعد الراء، وزيدت همزة أخرى وتركت الهاء عوضاً عن حذفهم العين لأن أصل أهرق أريق. وفيه لغة ثالثة أهراق يهريق إهرياقاً فهو مهريق والشيء مهراق ومهَراق أيضاً بالتحريك وهذا شاذ، ونظيره أسطاع يسطيع اسطياعاً بفتح الألف في الماضي وضم الياء في المضارع، وهو لغة في أطاع يطيع، فجعلوا السين عوضاً عن ذهاب حركة عين الفعل فكذلك حكم الهاء. (سجلاً) بفتح السين وسكون الجيم الدلو الملآى ماء لا فارغة. (أو ذنوباً من ماء) بفتح الذال الدلو الملآى لا فارغة، وأو للشك من الراوي، ومن في الموضعين زائدة تأكيداً، وقيل هو من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأو للتخيير، لما بين السجل والذنوب من الفرق، وهو أن السجل الدلو الواسعة، والذنوب الدلو العظيمة. وقال الطيبي: السجل الدلو فيه الماء قل أو كثر، وهو مذكور والذنوب يؤنث، وهو ما ملئ ماء، فقوله: من ماء في الموضعين زيادة وردت تاكيداً انتهى. لأن السجل والذنوب لا يستعملان إلا في الدلو التي فيها الماء. وقيل من للنبيين لاحتمال أن يكون من ماء وغيره، وهذا قول من يجوز التطهير بغير الماء. (فإنما بعثتم) إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لأنه هو المبعوث - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك أوهم مبعوثون من قبله بذلك أي: مأمورون. وكان ذلك شأنه - صلى الله عليه وسلم - في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات بقوله: يسروا ولا تعسروا (ميسرين) حال أي: مسهلين على الناس. (ولم تبعثوا معسرين) عطف على السابق على طريق الطرد والعكس مبالغة في اليسر قاله الطيبي، أي: فعليكم بالتيسير أيها الأمة. والحديث فيه دليل على نجاسة بول الآدمي وهو إجماع وعلى أن الأرض إذا تنجست طهرت بالمكاثرة والمغالبة من الماء وعلى أنه يكتفي بإضافة الماء ولا يشترط حفر الأرض ونقل التراب إذا صب عليها الماء، لأنه لم يرد في هذا الحديث الأمر بنقل التراب، ولكنه تكلم فيه لانقطاعه وإرساله كما في نصب الراية (ج١:ص٢١٢) للزيلعي، والفتح (ج١:ص١٦٢) للحافظ. وأيضا لو كان نقل التراب واجباً في التطهير لاكتفى به، فإن الأمر بصب الماء حينئذٍ يكون زيادة تكليف وتعب من غير منفعة تعود

<<  <  ج: ص:  >  >>