الشافعي أنه قال: هو حديث لم أقف على صحته، ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته. وأوله النووي فقال: المراد بقوله: عفروه الثامنة بالتراب، أي: اغسلوه سبعاً، واحدة منهن بالتراب مع الماء، فكان التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا. وقال الحافظ: جمع بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز فقال: لما كان التراب جنساً غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدوداً باثنتين وتعقبه ابن دقيق العيد بأن قوله: وعفروه الثامنة بالتراب، ظاهر في كونها غسلة مستقلة، لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية، ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازاً وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى انتهى. وفي الحديث دليل على نجاسة فم الكلب من حيث الأمر بالغسل لما ولغ فيه والإراقة للماء، وقوله:(طهور إناء أحدكم) فإنه لا غسل إلا من حدث أو نجس وليس ههنا حدث، فتعين النجس، والإراقة إضاعة مال، فلو كان الماء طاهراً لما أمر بإضاعته، إذ قد نهى عن إضاعة الماء، وهو ظاهر في نجاسة فمه، وألحق به سائر بدنه قياساً عليه، وذلك لأنه إذا ثبت نجاسة لعابه ولعابه جزء من فمه إذ هو عرق فمه، ففمه نجس إذ العرق جزء متحلب من البدن، فكذلك بقية بدنه. وفيه أيضاً أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير، لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالباً. واعلم أنه خالف حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن مغفل الحنفية حيث قالوا بالتثليث فقط، ولم يقولوا بوجوب السبع ولا الثمان ولا التتريب. والمالكية حيث لم يقولوا: بالتتريب وأوجبوا التسبيع فقط دون التثمين، لأن التتريب لم يقع في رواية مالك. قال القرافي منهم: قد صحت فيه الأحاديث. والعجب منهم كيف لم يقولوا بها. وخالف الشافعية حيث لم يقولوا بالتثمين، فجنح بعضهم إلى ترجيح حديث أبي هريرة على حديث ابن مغفل، وتعقب بأن الترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع، والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس، والزيادة من الثقة مقبولة ومال بعضهم إلى الجمع كما تقدم في كلام النووي والحافظ. واعتذر الطحاوي وغيره عن الحنفية بأمور قد ردها الحافظ في الفتح (ج١:ص١٣٩) أحسن رد، ثم إنه تعقب العيني على كلام الحافظ بما يدل على شدة تعصبه لمذهب إمامه. وقد نقل الشيخ عبد الحي اللكنوي الحنفي في السعاية (٤٥١) تعقبات العيني ثم ردها رداً حسناً. وللشيخ ابن الهمام في فتح القدير كلام مزخرف في الاعتذار عن العمل بحديث التسبيع والتتريب قد رده أيضاً الشيخ اللكنوي في السعاية، وأطال الكلام في هذا المبحث وأجاد، وقال في آخر البحث: ولعل المنصف غير المتعسف يعلم بعد ملاحظة هذا البحث ضعف كلام أرباب التثليث وقوة كلام أصحاب التسبيع والتثمين انتهى. وقد ذكر شيخنا تعقبات الشيخ اللكنوي على العيني وابن الهمام في أبكار المنن (ص٢٩-٣٢) فعليك أن تراجعه.
٤٩٤- قوله:(قام أعرابي) بفتح الهمزة نسبة إلى الأعرب وهم سكان البادية سواء كانوا عرباً أو عجماً. قيل هو ذو الخويصرة اليمامي. وقيل: الأقرع بن حابس التميمي. وقيل: عيينة بن حصن بن بدر الفزاري. (فبال في المسجد)