فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اصنعوا كل شيء إلا النكاح. فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟
ــ
الدم (فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) مبيناً للاعتزال المطلق المذكور في الآية بقصره على بعض أفراده. (اصنعوا كل شيء) من أنواع الاستمتاع. (إلا النكاح) أي: الجماع إطلاقاً لاسم السبب على المسبب، لأن عقد النكاح سبب للجماع. وهذا تفسير للآية، وبيان لقوله:((فاعتزلوا)) فإن الاعتزال شامل للمجانبة عن المؤاكلة والمصاحبة والمجامعة، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ليس المراد بالاعتزال وعدم القربان مطلق المجانبة، بل مجانبة مخصوصة، وهو ترك الوطى والجماع فقط لا غير. والحديث يدل على جواز المباشرة في ما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر. وإليه ذهب أحمد ومحمد ورجحه الطحاوي. وقال العيني والسندهي: هو أقوى دليلاً. وقال النووي: هو الأرجح دليلاً وهو اختيار أصبغ من المالكية، ويدل على الجواز أيضاً ما رواه أبوداود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً، وحملوا حديث عائشة الآتي وما في معناه على الاستحباب جمعاً بين الأدلة. (فبلغ ذلك) أي: الحديث. (ما يريد هذا الرجل) يعنون النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعبروا به لإنكارهم نبوته. (أن يدع) أي: يترك. (من أمرنا) أي: من أمور ديننا. (شيئاً) من الأشياء في حال من الأحوال. (إلا خالفنا) بفتح الفاء. (فيه) أي: إلا حال مخالفته إيانا فيه، يعني لا يترك أمراً من أمورنا إلا مقرونا بالمخالفة كقوله تعالى:{لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}[٤٩:١٨] . (فجاء أسيد بن حضير) بالتصغير فيهما، أبي سماك بن عتيك الأنصاري الأشهلي الأوسى، كان أحد النقباء ليلة العقبة الثانية، شهد بدراً وما بعدها من المشاهد. قالت عائشة: كان من أفاضل الناس، وشهد الجابية، وفتح بيت المقدس. له ثمانية عشر حديثاً، اتفقا على حديث. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم الرجل أسيد بن حضير. مات سنة (٢٠) . وحمله عمر بين عمودي السرير حتى وضع بالبقيع. قال عروة: مات أسيد بن حضير وعليه دين أربعة آلاف درهم، فبيعت أرضه، فقال عمر: لا أترك بني أخي عالة، فرد الأرض، وباع ثمرها من الغرماء أربع سنين بأربعة آلاف كل سنة ألف درهم. (وعباد) بفتح أوله وتشديد الموحدة. (بن بشر) بكسر الباء، ابن وقش الأنصاري الأشهلي، أسلم بالمدينة على يدي مصعب بن عمير قبل إسلام سعد بن معاذ, وشهد بدراً والمشاهد كلها، وكان ممن قتل كعب بن الأشرف، وأبلى يوم اليمامة فاستشهد بها، وهو ابن (٤٥) سنة. قالت عائشة: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوت عباد بن بشر ليلة، فقال: اللهم اغفر له، وأضاءت له عصاه لما خرج من عند النبي - صلى الله عليه وسلم -. له حديثان. (أفلا نجامعهن؟) وفي رواية أبي داود، والترمذي: أفلا ننكحهن في المحيض؟ أي: أفلا نطأهن