قال: نعم، إنما هو كفارة، ذكره الخلال. وبالجملة رواية عبد الحميد هذه صحيحة لكن وقع الاختلاف في رفعها ووقفها فرفعها شعبة مرة ووقفها مرة. قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر هذه الرواية مرفوعة: صححه الحاكم، وابن القطان، ورجح غيرهما وقفه. قال الشوكاني في النيل (ج١:ص٢٦٨) : ويجاب عن دعوى الاختلاف في رفعه ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدى رفعوه عن شعبة، وكذلك وهب بن جرير، وسعيد بن عامر، والنضر بن شميل، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف. قال: ابن سيد الناس: من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ ممن وقفه. وأما قول شعبة: أسنده لي الحكم مرة ووقفه مرة، فقد أخبر عن المرفوع والموقوف أن كلا عنده، ثم لو تساوي رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه. قال: أبوبكر الخطيب: إختلاف الروايتين لا يؤثر في الحديث ضعفا، وهو مذهب أهل الأصول، لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة لأخرى، والأخذ بالمرفوع بالزيادة وهي واجبة القبول-انتهى. وإذا عرفت أن هذه الرواية صحيحة، فاعلم أنهم اختلفوا في لفظه "أو" فحملها بعضهم على الشك، وبعضهم على التنويع، والتفصيل بين حالي الدم ووقتيه، وبعضهم على التخيير، فقد نقل الخطابي في معالم السنن (ج١:ص٨٤) أن أحمد بن حنبل كان يقول: وهو مخير بين الدينار ونصف الدينار، فهذا يدل على أن أحمد كان يرى أن أصل اللفظ في الحديث على التخيير لا على الشك، ولا على التفصيل. قال الشوكاني: والحديث يدل على وجوب الكفارة على من وطى امرأته وهي حائض، وإلى ذلك ذهب ابن عباس والحسن البصري، وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحق وأحمد في الرواية الثانية عنه، والشافعي في قوله: القديم – انتهى. قال العيني: ثم إن الذين ذهبوا إلى عدم الوجوب أجابوا أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: يتصدق، محمول على الاستحباب. وقال العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي بعد ذكر القول بالتخيير عن أحمد ما لفظه: وإذا ثبت أن أصل الحديث الأمر بالتخيير بين الدينار وبين نصف الدينار فإني أي: أن الأمر فيه ليس للوجوب، وإنما هو للندب، لأن الأصل في الأمر أن يكون للوجوب على الحقيقة. ولا يكون للندب إلا مجازاً، والمجاز لا بد له من قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي، والقرينة هنا في نفس اللفظ، لأن التخيير في المأمور به بين أن يكون قليلاً أو كثيراً من نوع واحد يجل على أن الزائد عن القليل ليس واجباً، لأن الدينار الواحد له نصفان، وقد أمر مخيراً بين أداءه كله، وبين أداء نصف من نصفيه فإذا أدى النصف كان آتيا بالمأمور به في أحد شقى الأمر، ولم يأت إلا ببعضه في الشق الآخر، وبرئت ذمته بما أتاه من المأمور به، فكان الذي لم يأت به غير واجب بنفس دلالة اللفظ، فدل لفظ الأمر على أن بعض مدلوله ليس مراداً به الوجوب، فخرج بذلك عن الحقيقة إلى المجاز. وإذ خرج في بعض مدلوله عن الحقيقة لهذه القرينة القاطعة، خرج في كل مدلوله، لامتناع استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه معاً. وتحقيق ذلك في موضعه من علو الأصول. وليس هذا من باب الواجب المخير المعروف في الفقة والأصول، لأن الواجب المخير إنما يكون في التخيير بين أنواع مأمور بها لا في التخيير بين القليل والكثير من نوع واحد وهذا ثابت بالتتبع - انتهى كلامه.