للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٥٧١- (٦) وعن جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة))

ــ

لا يوافق رواية من روايات غيرهما أيضاً. وكأن البغوي أخذ شيئاً من رواية وشيئاً من رواية أخرى، وجعل المأخوذ المجموع سياقاً واحد، وهذا كما ترى ليس مما ينبغي، بل كان عليه أن يورد رواية واحدة معينة للحديث، ثم يذكر الاختلاف في ألفاظها إن كان، هذا هو الطريق الصحيح في نقل الرواية. والعجب من صاحب المشكاة أنه لم يتنبه لذلك، أو تنبه لكن لم يعد صنيع البغوي هذا مخالفاً للقاعدة.

٥٧١- قوله: (بين العبد) أي: المسلم وفي حكمه المسلمة (وبين الكفر) كرر بين لمزيد التأكيد (ترك الصلاة) مبتدأ مؤخر، والظرف المقدم خبره، ومتعلقة محذوف تقديره: ترك الصلاة وصلة بين العبد والكفر، والمعنى أنه يوصله إليه، وبهذا التقدير زال الإشكال، فإن المتبادر أن الحاجزين الإيمان والكفر فعل الصلاة لا تركها. وقيل: المعنى الفارق بين المؤمن والكافر ترك الصلاة، لوجوده في الكافر دون المؤمن، فإن من حق ما به الفرق أن يوجد في أحد الطرفين دون الآخر، فترك الصلاة فارق بينهما لتحققه في الكافر دون المؤمن، وقال السندهي في حاشية ابن ماجه: مثل هذه العبارة كما يستعمل في المانع الحائل بين الشيئين كذلك يستعمل في الوسيلة المفضية لأحدهما إلى الآخر. وفي الحديث من هذا القبيل، فلا يرد أن الحائل بينهما هي الصلاة، فإنها تمنع العبد من الوصول إلى الكفر لا تركها، فليتأمل. ومثل هذا قول القائل بينك وبين مرادك الاجتهاد، وليس هو نظير قوله تعالى: {ومن بيننا وبينك حجاب} [٥:٤١] وقوله: {وجعل بين البحرين حاجزاً} [٦١:٢٧] انتهى. واللفظ المذكور لفظ ابن ماجه. ولفظ مسلم: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. قال النووي معناه أي: الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة، فإذا ترك لم يبق بينه وبين الشرك حائل، بل دخل فيه. ثم إن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد، وهو الكفر بالله تعالى. وقد يفرق بينهما فيكون الكفر أعم من الشرك-انتهى. وعلى هذا عطف الكفر على الشرك في رواية مسلم عطف عام على خاص. والحديث يدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر، ولا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكرا لوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فهيا وجوب الصلاة. وإن كان تركه لها تكاسلا مع اعتقاده لوجوبها كما هو حال كثير من الناس، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب أحمد وإسحق، وبعض المالكية، وبعض الشافعية إلى أنه يكفر وتمسكوا بحديث جابر هذا وبحديث بريدة في الفصل الثاني، وبأحاديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن شقيق، وأبي الدرداء في الفصل الثالث وبأحاديث أخرى وردت بتكفيره، ذكرها الحافظ في التلخيص (ص١٧٢) والهيثمي في مجمع الزوائد (ج١:ص٢٩٥) والمنذري في الترغيب (ج١:ص١٦٤-١٦٦) وذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يكفر بل يفسق، فإن تاب وإلا قتل حدا كالزاني المحصن، ولكنه يقتل بالسيف. وذهب صاحب الرأي: إلى أنه لا يكفر، ولا يقتل، بل يعزر، ويحبس حتى يصلى. ومن أقوى ما يستدل به على عدم كفره حديث عبادة الآتي، وقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء-١١٦-٤)) وحمل القائلون بعدم كفره الأحاديث

<<  <  ج: ص:  >  >>