وهو من الحنفية في حاشيته على شرح الوقاية حيث قال: فيه بحث، وهو أن المصير إلى القياس عند تعارض النصين إنما هو إذا لم يمكن الجمع بينهما، وأما إذا أمكن يلزم أن يجمع بينهما، وههنا العمل بكليهما ممكن بأن يخص صلاة العصر والفجر الوقتيتان من عموم حديث النهي، ويعمل بعمومه في غيرهما، وبحديث الجواز فيهما إلا أن يقال حديث الجواز خاص، وحديث النهي عام، وكلاهما قطعيان عند الحنفية، ومتساويان في الدرجة والقوة، فلا يخص أحدهما الآخر، وفيه أن قطعية العام كالخاص ليس متفقاً عليه بين الحنفية، فإن كثيراً منهم وافقوا الشافعية في كون العام ظنياً كما هو مبسوط في شروح المنتخب الحسامي وغيرها-انتهى. وقال صاحب الكوكب الدري بعد ذكر وجه الفرق بين الفجر والعصر بنحو ما ذكره صدر الشريعة ما لفظه: هذا ما قالوا، وأنت تعلم ما فيه من الاختلال وتزويق المقال، فإن قولهم: النهي عن الأفعال الشرعية يقتضي صحتها في أنفسها، ينادي بأعلى نداء على جواز الصلاتين كلتيهما وإن اعتراهما حرمة بعارض التشبه بعبدة الشمس، فادعاء المعارضة بينهما باطل، وإن قطع النظر عن ذلك فلا وجه لعدم الجواز في الفجر والجواز في العصر، فإن الوقت شرط لكلتيهما، فإذا غربت الشمس بأداء ركعة أو ركعتين لم يبق الوقت المشروط لصحة الباقي، فكيف يمكن لهم القول بأن الصلاة تامة، إذ ليس ذلك إلا قولاً بعدم اشتراط الوقت، فعلى هذا يلزم عليهم جواز صلاة من شرع في الصلاة وثوبه نجس بقدر الدرهم أو دونه، ثم بعد أدائه ركعة وضع عليه رجل شيئاً نجساً ليس ذلك إلا أداء الصلاة على الكيفية التي التزمها، أو من أخذ في الصلاة وهو يدافعه الأخبثان، فلما قضى ركعة أو ركعتين بال أو تغوط، أو ليس نظير ما قالوا، فإنه أدى صلاته بعد الحدث على نحو مما التزمه. (إلى آخر ما قال وأطال في الرد عليهم) قلت: ويلزمهم أيضاً أن يقولوا بفساد صلاة العصر إذا شرع فيها في الجزء الصحيح الكامل أي قبل الاصفرار ومدها إلى أن غربت، مع أنها لا تكره عندهم فضلاً عن أن تفسد. وما اعتذروا عنه بعذر الخشوع والخضوع لا ينفع كما أقربه صاحب فيض الباري، فإن الاحتراز عن المد إلى غروب الشمس ليس مما يتعذر كما لا يخفى على المنصف غير المتعسف. واختار صاحب الكوكب في معنى الحديث ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة من جواز الصلاتين العصر والصبح، وفراغ الذمة لمن صلى في هذين الوقتين، وإن لم يخل فعله ذلك من الكراهة، واعلم أن الحنفية قد عجزوا عن دفع إلزام العمل ببعض هذا الحديث وترك بعضه مع أن النقص قارن العصر ابتداء والفجر بقاء، ولذلك ذهب الطحاوي إلى عدم جواز عصر يومه كالفجر خلافاً لمذهب الحنفية. قال صاحب الفيض: إن الحديث لا يفرق بين الفجر والعصر، وظاهره موافق لما ذهب إليه الجمهور، وتفريق الحنفية باشتمال العصر على الوقت الناقص دون الفجر عمل بإحدى القطعتين وترك الأخرى بنحو من القياس، وذا لا يرد على الطحاوي، فإنه ذهب إلى النسخ بالكلية بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، إلا أن المعروف من مذهب الحنفية خلافه، فإنهم قائلون في العصر بصحتها كما في الحديث، قال: فلم أر جواباً شافياً عنه في أحد من كتب الحنفية بعد، ثم حمل هو هذا الحديث على المسبوق، وقال: إن المراد بالإدراك إدراك الجماعة لا إدراك الوقت، وإن الصلاة كلها في الوقت قبل الطلوع في الفجر، وقبل الغروب في العصر، ومعنى الحديث: من أدرك ركعة من الصبح مع الإمام وركعة أخرى بعد انصرافه، وكلتاهما في الوقت قبل الطلوع، وكذا في العصر أدرك