قال الحافظ: الإدراك الوصول إلى الشيء، فظاهره أنه يكتفي بذلك، وليس ذلك مراداً بالإجماع، فقيل: يحمل على أنه أدرك الوقت، فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته، وهذا قول الجمهور، وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم، أخرجه البيهقي من وجهين، ولفظه: من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، وركعة بعد ما تطلع الشمس، فقد أدرك الصلاة. وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم عن عطاء وهو ابن يسار، عن أبي هريرة بلفظ: من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر. وقال مثل ذلك في الصبح، وفي رواية للبخاري يعني التي بعد هذا الحديث: فليتم صلاته، وللنسائي من وجه آخر: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته. وللبيهقي من وجه آخر: من أدرك ركعة من الصبح فليصل إليها أخرى. ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي، وطهر الحائض وإسلام الكافر، ونحوها، وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته؛ لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة – انتهى. والحديث يدل على أن من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك صلاة الصبح ولا تبطل بطلوعها، كما أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك صلاة العصر ولا تبطل بغروبها، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وهو الحق، وخالف أبوحنيفة هذا الحديث فقال: من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته. واحتج في ذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس. وأجيب عنه بأن أحاديث النهي عامة تشمل ذوات الأسباب المتقدمة وغير ذوات الأسباب من النوافل والفرائض. وحديث أبي هريرة هذا خاص ليس فيه إلا ذكر صلاة ذات سبب متقدم، فتحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل جمعاً بين الحديثين، فإن الجمع بالتخصيص أولى من ادعاء النسخ، قاله الحافظ. قال الشوكاني: هذا جمع بما يوافق مذهب الحافظ، والحق أن أحاديث النهي عامة تشمل كل صلاة، وهذا الحديث خاص فيبني العام على الخاص، ولا يجوز في ذلك الوقت شيء من الصلوات إلا بدليل يخصه، سواء كان من ذوات الأسباب أوغيرها-انتهى. وقال النووي: قال أبوحنيفة: تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس؛ لأنه دخل وقت النهي الصلاة بخلاف غروب الشمس. (ففرق بين فجر اليوم وعصره) والحديث حجة عليه-انتهى. قال القاري بعد ذكر كلام النووي ما نصه: وجوابه ما ذكره صدر الشريعة (في شرح الوقاية) : أن المذكور في كتب أصول الفقه أن الجزء المقارن للأداء سبب لوجوب الصلاة، وآخر وقت العصر وقت ناقص إذ هو وقت عبادة الشمس، فوجب ناقصاً، فإذا أداه أداه كما وجب فإذا اعترض الفساد بالغروب لا تفسد، والفجر كل وقته وقت كامل؛ لأن الشمس لا تعبد قبل طلوعها، فوجب كاملاً، فإذا اعترض الفساد بالطلوع تفسد؛ لأنه لم يؤديها كما وجب، فإن قيل: هذا تعليل في معرض النص، قلنا: لما وقع التعارض بين هذا الحديث وبين النهي الواردة عن الصلاة في الأوقات الثلاثة رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض، والقياس رجح هذا الحديث في صلاة العصر، وحديث النهي في صلاة الفجر، وأما سائر الصلوات فلا تجوز في الأوقات الثلاثة المكروهة لحديث النهي الوارد، إذ لا معارض لحديث النهي فيها. قلت: قد رد هذا التقرير المزخرف الشيخ عبد الحي اللكنوي