٦١٦- (٢٨) وعن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر))
ــ
وصرح ابن العربي كما تقدم بأن هشيماً أخطأ في روايته، ولكن متابعة رقبة بن مصقلة له تبعد احتمال الخطأ. والظاهر أن أبا بشر سمعه من حبيب وسمعه من بشير بن ثابت عن حبيب، فكان يرويه مرة هكذا ومرة هكذا كما تراه كثيراً في صنيع الرواة، والإسناد صحيح في الحالين كذا حققه صاحب التعليق، وهو تحقيق جيد.
٦١٦- قوله:(أسفروا بالفجر) أي صلوا صلاة الفجر إذا أضاء الفجر وأشرق. (فإنه) أي الإسفار بالفجر. (أعظم للأجر) احتج به الحنفية على أفضلية تأخير الفجر إلى الإسفار. وأجيب عنه بأن استمرار صلاته - صلى الله عليه وسلم - بغلس ومداومته على التغليس يشعر بأن المراد بأسفروا غير ظاهره، فقيل: يحمل على التأخير حتى يتبين وينكشف بحقيقة الأمر، ويعرف يقيناً طلوع الفجر، وعلى هذا "أعظم" ليس للتفضيل. وقيل: يحمل على الليالي المقمرة؛ لأن أول الفجر لايتضح معها لغلبة نور القمر لنوره. وقيل: يحمل على الليالي القصيرة لإدراك النوم الصلاة كما في حديث معاذ بن جبل قال: بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فقال: يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر، وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم، وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر، فإن الليل قصير والناس ينامون، فأمهلهم حتى يدركوا. ذكره البغوي في شرح السنة، وأخرجه بقي بن مخلد في مسنده، وأبونعيم في الحلية. وقيل: المراد طولوا القراءة في صلاة الصبح حتى تخرجوا منها مسفرين، وهو الأوفق بحديث: ما أسفرتم بالفجر فإنه أعظم للأجر، قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين بعد ذكر حديث رافع بن خديج ما لفظه: وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الإسفار دواماً لا ابتداء فيدخل فيها مغلساً، ويخرج منها مسفراً كما كان يفعله - صلى الله عليه وسلم -، فقوله موافق لفعله لا مناقض له، وكيف يظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه – انتهى. وهذا هو الذي اختباره الطحاوي في شرح الآثار، وبسط الكلام فيه، وقال في آخره: فالذي ينبغي الدخول في الفجر في التغليس والخروج منها في وقت الإسفار، على موافقة ما روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن – انتهى. ولا يخدش هذا الجواب حديث عائشة المتقدم: فتنصرف النساء ما يعرفن من الغلس؛ لأنه يمكن أن يقال: إنه كان أحياناً. وقيل في جواب حديث رافع هذا: أن قوله: أسفروا بالفجر، مروي بالمعنى، والأصل أصبحوا بالصبح، كما في رواية أبي داود. قال الجزري: أي صلوها عند طلوع الصبح، يقال: أصبح الرجل إذا دخل في الصبح – انتهى. قال السيوطي في حاشية أبي داود: وبهذا يعرف أن رواية من روى هذا الحديث بلفظ "أسفروا بالفجر" مروية بالمعنى، وأنه دليل على أفضلية التغليس بها لا على التأخير إلى الإسفار-انتهى. وقال السندي في حاشية ابن ماجه: تعين أن "أسفروا " منقول بالمعنى، محتاج إلى الدليل، إذ يمكن العكس. نعم! قد سقط استدلال من يقول بالإسفار بلفظ "أسفروا"؛ لاحتمال أنه من تصرف الرواة، والأصل أصبحوا، كما سقط استدلال من يقول بالتغليس بلفظ "أصبحوا" لاحتمال أنه من تصرف الرواة، إلا أن يقال