للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيكم ملائكة في الليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم- وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون))

ــ

يتعاقبون. (فيكم) أي في المصلين. (ملائكة) هم الحفظة عند الأكثرين، وقال القرطبي: الأظهر عندي أنهم غيرهم، قال الحافظ: ويقويه أنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد، ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار، وبأنهم لو كانوا هم الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها في قوله: كيف تركتم عبادي؟ - انتهى. وتنكير ملائكة في الموضعين ليفيد أن الثانية غير الأولى كقوله تعالى: {غدوها شهر ورواحها شهر} [٣٤: ١٢] . (ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر) أي في وقتهما. فإن قلت: التعاقب يغائر الاجتماع، أجيب بأن تعاقب الصنفين لا يمنع اجتماعهما؛ لأن التعاقب أعم من أن يكون معه اجتماع هكذا، أو لا يكون معه اجتماع كتعاقب الضدين، أو المراد حضورهم معهم الصلاة في الجماعة، فينزل على حالين، وتخصيص اجتماعهم معهم في الورود والصدور بأوقات العبادة تكرمة بالمؤمنين ولطفاً بهم؛ لتكون شهادتهم بأحسن الثناء وأطيب الذكر، ولم يجعل اجتماعهم معهم في حال خلواتهم بلذاتهم وانهماكهم على شهواتهم، فلله الحمد. (الذين باتوا فيكم) وفي رواية للنسائي: الذين كانوا فيكم، وهي أوضح لشمولها لملائكة الليل والنهار، وفي الأولى استعمال لفظ "بات" في الإقامة مجازاً، فلا تختص بليل دون نهار ولا نهار دون ليل، فكل طائفة منهم إذا صعدت سئلت، ويكون قوله "فيسألهم" أي كلا من الطائفتين في الوقت الذي يصعد فيه، والدليل على حمل بات على الإقامة رواية النسائي، بل قد وقع في حديث أبي هريرة هذا من وجه آخر عند ابن خزيمة في صحيحه مرفوعاً التصريح بسؤال كل من الطائفتين، ولفظه: تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيجتمعون في صلاة الفجر، فتصعد ملائكة الليل وتثبت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتبيت ملائكة الليل، فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي؟ الحديث. فهذه الرواية تزيل الإشكال وتغني عن كثير من الاحتمالات التي ذكرها الشراح، فهي المعتمدة ويحمل ما نقص منها على تقصير بعض الرواة. (فيسألهم) قيل: الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم، وذلك لإظهار الحكمة في خلق الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم مالا تعلمون} [٢: ٣٠] أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم. وقال عياض: هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة، كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم، وهو سبحانه وتعالى أعلم من الجميع بالجميع. (وهو أعلم بهم) أي بالمصلين من الملائكة، فحذف صلة أفعل التفضيل. (كيف تركتم عبادي) وقع السؤال عن آخر الأعمال؛ لأن الأعمال بخواتيمها، قاله ابن أبي جمرة. (تركناهم وهم يصلون وأتيناهم) أي جئناهم ونزلنا عليهم. (وهم يصلون) لم يراعوا الترتيب الوجودي؛ لأنهم بدءوا بالترك قبل الإتيان، والحكمة فيه أنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>