٦٢٩- (٤) وعن جندب القسري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ــ
طابقوا السؤال؛ لأنه قال: كيف تركتم، ولأن المخبر به صلاة العباد والأعمال بخواتيمها، فناسب ذلك إخبارهم عن آخر عملهم قبل أوله، وقوله: تركناهم وهو يصلون، ظاهره أنهم فارقوهم عند شروعهم في العصر، سواء تمت أم منع مانع من إتمامها، وسواء شرع الجميع فيها أم لا؛ لأن المنتظر في حكم المصلي، ويحتمل أن يكون المراد بقوله "وهم يصلون" أي ينتظرون المغرب، وقال ابن التين: الواو في قوله "وهم يصلون" واو للحال أي تركناهم على هذه الحال، ولا يقال: يلزم منه أنهم فارقوهم قبل انقضاء الصلاة فلم يشهدوها معهم، والخبر ناطق بأنهم يشهدونها؛ لأنا نقول: هو محمول على أنهم شهدوا الصلاة مع من صلاها في أول وقتها، وشهدوا من دخل فيها بعد ذلك، ومن شرع في أسباب ذلك، فإن قيل: فما الفائدة في قولهم "وأتيناهم" وكان السؤال عن كيفية الترك؟ أجيب بأنهم أجابوا بأكثر مما سئلوا؛ لأنهم علموا أنه سؤال يستدعي التعطف على بني آدم فزادوا في الجواب إظهاراً لبيان فضيلة المصلين، وحرصاً على ذكر ما يوجب مغفرة ذنوبهم، كما هو وظيفتهم فيما أخبر الله عنهم:{ويستغفرون للذين آمنوا} . ووقع في صحيح ابن خزيمة في آخر هذا الحديث: فاغفر لهم يوم الدين، ويستفاد من الحديث أن الصلاة أعلى العبادات؛ لأنه عليها وقع السؤال والجواب. وفيه التنبيه على أن الفجر والعصر من أعظم الصلوات لكونهما تجتمع فيهما الطائفتان، وفي غيرهما طائفة واحدة، والإشارة إلى شرف الوقتين المذكورين، وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح، وأن الأعمال ترفع آخر النهار، فمن كان حينئذٍ في طاعة بورك له في رزقه وفي عمله، ويترتب عليه حكمة الأمر بالحافظة عليهما والاهتمام بهما. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الصلاة، وفي بدء الخلق، وفي التوحيد، ومسلم في الصلاة، وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي وغيرهما.
٦٢٩- قوله:(وعن جندب) بضم أوله، والدال تفتح وتضم، هو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي ثم العلقي، يكنى أبا عبد الله، وربما نسب إلى جده، وصحابي، وقال البغوي عن أحمد: ليست له صحبة قديمة. مات بعد الستين، وتقدم ذكره. (القسري) بفتح القاف وسكون السين المهملة، قال القارئ: هو كذلك في جميع النسخ المقروأة المصححة الحاضرة من نسخ المشكاة، وقال التوربشتي: في سائر نسخ المصابيح: القشري بضم القاف والشين والمعجمة وهو غلط، نقله الطيبي- انتهى. وقال النووي: القسري هو بفتح القاف وإسكان السين المهملة، وقد توقف بعضهم في صحة قولهم القسري؛ لأن جندباً ليس من بني قسر إنما هو بجلي علقي، وعلقة بطن من بجيلة، هكذا ذكره أهل التواريخ والأنساب والأسماء، وقسر هو أخو علقة. قال القاضي: لعل لجندب حلفاً في بني قسر أو سكناً أو جواراً فنسب إليهم لذلك، أو لعل بني علقة ينسبون إلى بني عمهم قسر كغير واحدة من القبائل ينسبون بنسبة بني عمهم لكثرتهم أو شهرتهم- انتهى.