للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) متفق عليه.

ــ

وابن العربي القولين على احتمال (صلاة العصر) بالجر بدل من صلاة الوسطى، أو عطف بيان لها. والحديث نص في أن الصلاة الوسطى هي العصر، وقد اختلف الناس في تعيين الوسطى على أكثر من عشرين قولاً، أشهرها ثلاثة: أحدها أنها الصبح، قال به مالك والشافعي. والثاني: أنها الظهر، قال به زيد بن ثابت، وعروة. والثالث: أنها العصر، ذهب إليه أكثر علماء الصحابة وجمهور التابعين وأكثر أهل الأثر، قاله الترمذي والبغوي والماوردي وابن عبد البر والطيبي، وهو مذهب أحمد، وأبي حنيفة. واحتجوا بالأحاديث الصحيحة الصريحة، ذكرها الحافظ في الفتح، وابن كثير في تفسيره والمجد بن تيمية في المنتقى، منها حديث علي هذا، ولا يساويه سائر الأحاديث، والآثار الدالة على خلاف ذلك، فهو أصح الأقوال في ذلك، والمذهب الحق الذي يتعين المصير إليه، قال النووي: الذي يقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر وهو المختار. وقال الحافظ: كونها العصر هو المعتمد. (ملأ الله) دعاء عليهم، وأخرجه في صورة الخبر تأكيداً وإشعاراً بأنه من الدعوات المجابة سريعاً، وعبر بالماضي ثقة بالاستجابة فكأنه أجيب سؤاله فأخبر عن وجود إجابته ووقوعها. (بيوتهم وقبورهم ناراً) قال الأشرف: خصهما بالذكر؛ لأن أحدهما مسكن الأحياء والآخر مضجع الأموات، أي جعل النار ملازمة لهم بحيث لا تنفك عنهم لا في حياتهم ولا في مماتهم. قال الطيبي: دعا عليهم بعذاب الدارين من خراب بيوتهم في الدنيا بنهب أموالهم، وسبى ذراريهم، وهدم دورهم، ومن عقاب في الآخرة باشتعال قبورهم ناراً-انتهى. قال الحافظ: وقد استشكل هذا الحديث بأنه تضمن دعاء صدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - على من يستحقه، وهو من مات منهم مشركاً، ولم يقع أحد الشقين وهو البيوت، أما القبور فوقع في حق من مات منهم مشركاً لا محالة، ويجاب بأن يحمل على سكانها، وبه يتبين رحجان الرواية بلفظ: قلوبهم أو أجوافهم أي بدل بيوتهم-انتهى. واعلم أنه وقع في هذا الحديث أن الصلاة الفائتة كانت صلاة العصر، وظاهره أنه لم يفت غيرها، وفي المؤطا: أنها الظهر والعصر، وفي غيره: أنه أخر أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء حتى ذهب هوى من الليل، وطريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أياماً، فكان هذا في بعض الأيام، وهذا في بعضها. (متفق عليه) أي على أصل الحديث، وإلا فقوله "صلاة العصر" ليس عند البخاري، قد تفرد به مسلم، قال الزيلعي في نصب الراية (ج٢: ص٢٠٠) وظيفة المحدث أن يبحث عن أصل الحديث فينظر من خرجه، ولا يضره تغير بعض ألفاظه، ولا الزيادة فيه ولا النقص. والحديث أخرجه البخاري في الجهاد، والمغازي، والتفسير، والدعوات، ومسلم في الصلاة، وأخرجه أيضاً أحمد، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>