فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك،
ــ
خزيمة بن ثابت عند أحمد في مسنده (ج٥: ص٢١٤، ٢١٥) بإسناد حسن: ((من أصاب ذنباً أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته)) ، فإنه صريح في أن المراد عن العقوبة المذكورة في الحديث الحدود دون المصائب، وقال الحافظ: يحتمل أن يراد أن المصائب تكفر ما لا حد فيه. (فهو) العقاب، وهذا مثل هو في قوله تعالى:{اعدلوا هو أقرب للتقوى}[٥: ٨] ، (كفارة له) زاد في رواية للبخاري: ((وطهور)) بفتح الطاء أن يكفر إثم ذلك ولم يعاقب به في الآخرة، قال النووي: عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}[٤: ٤٨] ، فالمرتد إذا قتل على الردة لا يكون القتل له كفارة – انتهى. ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود، وهو قول الجمهور، وقيل: لا بد من التوبة، وبذلك جزم بعض التابعين، وهو قول للمعتزلة، ووافقهم ابن حزم، ومن المفسرين البغوي وطائفة يسيرة – انتهى. قلت: الأول قول مجاهد وزيد بن أسلم والثوري والإمام أحمد، ورجحه ابن جرير وضعف القول بخلاف ذلك ووهنه جداً، قال الحافظ في الفتح: واستدل البغوي ومن وافقه باستثناء من تاب في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم}[٥: ٣٤] ، قال: والجواب في ذلك أنه في عقوبة الدنيا ولذلك قيدت بالقدرة عليه. انتهى. (ثم ستره الله) أي ذلك الشيء المصاب (فهو إلى الله) أي أمره وحكمه من العفو العقاب مفوض إليه فلا يجب عليه عقاب عاص كما لا يجب عليه ثواب مطيع على المذهب الحق، وفيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأنه تحت المشيئة، ولم يقل: لا بد أن يعذبه (إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه) يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب، وقال بذلك طائفة، وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة ومع ذلك فلا يأمن مكر الله؛ لأنه لا إطلاع له هل قبلت توبته أو لا، وقيل: يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب، كذا في الفتح. اعلم أنه ذهب أكثر العلماء ومنهم الشافعية إلى أن الحدود كفارات وسواتر، واستدلوا بحديث عبادة هذا، وهو صريح في ذلك، ويؤيده ما رواه غير واحد من الصحابة منهم علي بن أبي طالب، أخرج حديثه أحمد والترمذي في الإيمان وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه، ومنهم أبوتميمة الجهيمي أخرجه حديثه الطبراني بإسناد حسن، ومنهم خزيمة بن ثابت أخرج حديثه أحمد، وقد تقدم لفظه، ومنهم ابن عمر وأخرج حديثه الطبراني مرفوعاً، واختلفت الحنفية فيه، فقال أبولحسن الطالقاني الحنفي كما في طبقات الشافعية وأبوبكر الكاساني صاحب البدائع: إن الحدود كفارات، وصرح صاحب الدر المختار بأنها ليست بكفارة بل هي روادع وزواجر فقط. واستدل له بقوله تعالى:{ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}[٥: ٣٣] في آية المحاربة، فإنه يدل على أنه يعذبون في الآخرة بعد إقامة الحد عليهم في