الدنيا فلم يكن الحد كفارة لهم، وأجيب بأن الآية نزلت في العرنيين، ومعلوم أنهم كانوا ارتدوا بعد إسلامهم، وحينئذٍ فالآية خارجة عن موضع النِزاع؛ لأن المسألة إنما كانت في المسلمين؛ لأن التكفير في حق المشركين لم يقل به أحد، والآية وإن لم تأخذ الكفر والارتداد في العنوان بل أدارت الحكم على وصف قطع الطريق وهو يقتضي أن يدور الحكم على هذا الوصف سواءً كان من المسلم أو المرتد أو الكافر أو الذمي، ولا يقتصر على المرتد والكافر فقط، لكن يمكن أن يقال: إنه جرى ذكر العذاب في الآخرة في الآية لحال الفاعلين أي لحال كفرهم لا لحال الفعل، فإن المعصية الواحدة تختلف شدة وضعفاً باعتبار حال الفاعلين، فقد تكون المعصية من المؤمن ويخف العذاب عليها رعاية لإيمانه، وقد تكون تلك المعصية بعينها من الكافر ويزاد في عقوبته لحال كفره، فقطع الطريق من المسلمين شنيع، وهو من المرتدين أشنع، وعلى هذا فلا دليل في الآية على أن المسلم لو فعل ذلك ثم أقيم عليه الحد كان له عذاب في الآخرة أيضاً؛ لأنه ليس جزاء للفعل على هذا التقدير بل الشناعة في الجزاء بشناعة الفاعلين، كذا قرره الشيخ محمد أنور الحنفي. ويمكن أن يقال: إنه يحتمل أن يكون حديث عبادة مخصصاً لعموم الآية أو مبيناً أو مفسراً لها، واستدلوا له أيضاً بقوله تعالى:{فمن تاب من بعده ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم}[٥: ٣٩] في آية حد السرقة، قيل: هو دليل صريح على أن إقامة الحد لا تكون كفارة إلا بعد التوبة من ظلمه وإصلاح عمله. وأجيب عنه بأنه لا دليل في الآية على ذلك؛ لأن ظاهر معنى الآية: أن من تاب من بعد ظلمه، أي سرقته يعني حسن حاله في المستقبل وأصلح عمله وعزم على ترك العود إلى مثل ذلك فيقبل الله توبته ويرحمه ويطهره من جميع الذنوب، وأما ذنب هذه السرقة فقد زال بنفس إقامة حد السرقة، ولم يتوقف على التوبة، وبالجملة الآية إنما تتعلق بالتوبة والإصلاح في الاستقبال لا بما تقدم من ذنب السرقة، وقيل: معنى الآية: فمن تاب أي من السرقة وأصلح أمره فإن الله يتوب عليه، أي يغفر له ويتجاوز عنه ويقبل توبته أي يسقط عنه حق الله، وأما حق الآدميين من القطع، ورد المال فلا يسقط، نعم إن عفا قبل الرفع إلى الإمام سقط القطع، كما ذهب إليه الشافعي، واستدل له أيضاً بقوله تعالى:{فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}[٢٤: ٤-٥] في آية حد القذف، قيل: هو أقوى دليل على أن إقامة الحد لا تطهر القاذف من الذنب ولا تخرجه من الفسق إلا بعد التوبة، وإنما وعد الله المغفرة والرحمة لمن تاب بعد ذلك وأصلح عمله. وأجيب عنه بأن حد القذف ليس هو الجلد فقط، بل هو مجموع أمرين أو ثلاثة أمور: الجلد، وعدم قبول الشهادة، والحكم بكونه فاسقاً، لكن بينها فرق وهو أن الجلد لا يرتفع بالتوبة، فإنه يجلد التائب كالمصر بالإجماع، وأما عدم قبول الشهادة والحكم بالفسق فيزولان بالتوبة بناءً على أن الاستثناء يتعلق بالجملتين، وهذا عند الأئمة الثلاثة، خلافاً لأبي حنيفة، فإنه ذهب إلى أنه لا يقبل شهادة القاذف أبداً أي مادام حياً وإن تاب، وهذا لأن الاستثناء عنده يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط، فلا يزول عنده بالتوبة إلا اسم الفسق، وأما عدم قبول الشهادة فيبقى على حاله بعد التوبة، وإصلاح العمل أيضاً كالجلد، ففرق أبوحنيفة بين القذف