وتدل على أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور، وأرادت عائشة بذلك بيان قلة ما بين أذانيهما من المدة لا التحديد. (فكلوا واشربوا) أي أيها المريدون الصيام، والأمر للإباحة والرخصة، وبيان بقاء الليل بعد أذان بلال، وفيه إشعار بأن الأذان كان علامة عندهم على دخول الوقت، فبين لهم أن أذان بلال بخلاف ذلك. (حتى) أى إلى أن (ينادي) أي يؤذن. (ابن أم مكتوم) اسمه عمرو، أو عبد الله بن قيس بن زائدة القرشي، وهو الأعمى المذكور في سورة عبس، واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية. وروى ابن خزيمة في صحيحه عن عائشة مرفوعاً: إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد. وروى النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وأحمد في مسنده عن أنيسة بنت خبيب بلفظ: إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا. وهذا كما ترى مخالف لحديث ابن عمر. وقد جمع بينهما ابن خزيمة وغيره: بأنه يجوز أن يكون عليه السلام جعل الأذان بين بلال وابن أم مكتوم نوائب، فأمر في بعض الليالي بلالاً أن يؤذن بليل، فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم، فأذن في الوقت، فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم بدأ فأذن بليل، فإذا نزل، صعد بلال فأذن في الوقت، فكانت مقالة النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن بلالاً يؤذن بليل. في وقت نوبة بلال، وكانت مقالته: إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل. في وقت نوبة ابن أم مكتوم. وقيل: لم يكن الأذان بينهما نوباً، وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان، فإن بلال كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده، ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت: كان بلال يجلس على بيتي، وهو أعلى بيت في المدينة، فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن. أخرجه أبوداود وإسناده حسن. ثم أردف ابن أم مكتوم، فكان يؤذن بليل، واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وعائشة، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه، ووكل به من يراعي له الفجر، واستقر أذان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما رواه أبوداود وغيره عن ابن عمر: أن بلالاً كان ربما أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه، وإنه أخطأ مرة فأمره عليه السلام أن يرجع فيقول: ألا إن العبد نام، يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر، فلهذا-والله أعلم- استقر أن بلالاً يؤذن الأذان الأول، وبهذا ظهر أنه لا مخالفة بين قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن بلالاً يؤذن بليل. وبين أمره إباه بالاعتذار بقوله: ألا إن العبد قد نام، فإن قوله عليه السلام: إن بلالاً يؤذن بليل، إنما هو محمول على حالته الأخرى. أي على زمان كان بلال يؤذن بالليل وابن أم مكتوم بالصبح، وأما أمره بلالاً أن ينادي: ألا إن العبد قد نام. فيحمل على حالته الأولى، أي على زمان كان بلال يؤذن فيه للصبح، واتفق أنه أذن مرة في الليل على ظن أن الفجر قد طلع فاحتاج إلى الاعتذار؛ لأن الفجر لم يطلع، ولأن الأذان بالليل قد كان فرع عنه ابن أم مكتوم. قال الخطابي في المعالم (ج١: ص١٥٧) : يشبه أن يكون هذا أي قوله: ألا إن العبد نام، فيما تقدم من أول زمان الهجرة، فإن الثابت عن بلال أنه كان في آخر أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤذن بليل ثم يؤذن بعده ابن أم مكتوم مع الفجر، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن