قال: وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت))
ــ
بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم-انتهى. قال الأمير اليماني في السبل: في الحديث شرعية الأذان قبل الفجر، لا لما شرع له الأذان، فإن الأذان شرع للإعلام لدخول الوقت، ولدعاء السامعين بحضور الصلاة، وهذا الأذان الذي قبل الفجر قد أخبر - صلى الله عليه وسلم - بوجه شرعيته بقوله: ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم. رواه الجماعة إلا الترمذي عن ابن مسعود، والقائم هو الذي يصلي صلاة الليل، ورجوعه عوده إلى نومه أو قعوده عن صلاته إذا سمع الأذان، فليس للإعلام بدخول الوقت ولا لحضور الصلاة، فذكر الخلاف في المسألة والاستدلال للمانع وللمجيز لا يلتفت إليه من همه العمل بما ثبت-انتهى كلام الأمير. قلت: أشار بقوله: بذكر الخلاف. إلى ما ذكره الشراح من الاختلاف بين الأئمة، قالوا: ذهب مالك والشافعي وأحمد وأبويوسف إلى جواز الأذان لصلاة الفجر قبل طلوعه والاكتفاء به، وعدم وجوب الإعادة. قال هؤلاء: كان الأذانان لصلاة الفجر، ولم يكن الأول مانعاً من التسحر، وكان الثاني من قبيل الإعلام بعد الإعلام، وإنما اختصت صلاة الفجر بهذا من بين الصلوات، لما ورد من الترغيب في الصلاة لأول الوقت، والصبح يأتي غالباً عقيب النوم، فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها، ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت، وقال أبوحنيفة ومحمد: لا يجوز الأذان لصلاة الصبح قبل طلوع الفجر كما في سائر الصلوات، فلو أذن قبل طلوعه يجب الإعادة ولا يكتفي به. قالا: لم يكن الأذان الأول لصلاة الفجر بل كان لغرض آخر بينه - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود بقوله: ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم. قلت: ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على الحصر فيما ذكر من السبب لأذان بلال، ولا تزاحم في الأسباب مع أنه ليس فيه بيان علة الأذان بل بيان نكتة التقديم، والراجح عندي أنه يجوز الأذان لصلاة الفجر قبل طلوع الصبح، ويكتفى به إن قدم قبل الفجر بزمان يسير، ولا يجب الإعادة. هذا هو الذي يستفاد من أحاديث الباب عندي. ولا يخفى ذلك على من تأمل في الأحاديث الواردة في ذلك إن شاء الله تعالى. واعلم أنه ادعى ابن القطان وابن دقيق العيد ومحمد بن الحسن أن قوله: إن بلالاً يؤذن بليل. كان في رمضان خاصة لا في سائر العام. وفيه نظر؛ لأن قوله "كلوا واشربوا" يتأتى في غير رمضان أيضاً، وهذا لمن كان يريد صوم التطوع، فإن كثيراً من الصحابة في زمنه - صلى الله عليه وسلم - كانوا يكثرون صيام النفل، فكان قوله "فكلوا واشربوا" بالنظر إلى هؤلاء، ويدل على ذلك ما رواه عبد الرزاق عن ابن المسيب مرسلاً بلفظ: إن بلالاً يؤذن بليل، فمن أراد الصوم فلا يمنعه أذان بلال حتى يؤذن ابن أم مكتوم. ذكره علي المتقي في كنز العمال (ج٤: ص٣١١) . فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الصوم فيه باختيار الرجل، ولا يكون ذلك إلا في غير رمضان، فدل على أن قوله عليه السلام "إن بلالاً يؤذن بليل" ليس مختصاً برمضان. (قال) أي ابن شهاب راوي الحديث، أو شيخه سالم، أوشيخ شيخه ابن عمر. (رجلاً أعمى) قيل: عمي ابن أم مكتوم بعد بدر بسنتين، وفيه أن سورة عبس مكية في قول الجميع، وعن ابن عباس: نزلت بمكة، فكيف يصح أن يقال أنه عمي بعد بدر سنتين؟ فالظاهر أنه عمي بعد البعثة بسنتين. وقيل: ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لإكتتام نور بصره، والأول هو المشهور. (أصبحت أصبحت) بالتكرار للتأكيد، وهي تامة تستغنى بمرفوعها، أي دخلت في الصباح، هذا