٧٢٣- (٣٠) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أمرت بتشييد المساجد،
ــ
فيها الدور. ومنه قوله تعالى:{سأريكم دار الفاسقين}[٧: ١٤٥] ؛ لأنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة داراً. ومنه الحديث: ما بقيت دار إلا بني فيها مسجد. قال سفيان: بناء المساجد في الدور يعني القبائل أي من العرب يتصل بعضها ببعض وهو بنو أب واحد يبنى لكل قبيلة مسجد، هذا ظاهر معنى تفسير سفيان الدور. قال أهل اللغة: الأصل في إطلاق الدور على المواضع، وقد تطلق على القبائل مجازاً. وحكمة أمره لأهل كل محلة ببناء مسجد فيها أنه قد يتعذر أو يشق على أهل محلة الذهاب للأخرى فيحرمون أجر المسجد وفضل إقامة الجماعة فيه فأمروا بذلك ليتسر لأهل كل محلة العبادة في مسجدهم من غير مشقة تلحقهم. وقال البغوي: قال عطاء: لما فتح الله على عمر الأمصار أمر المسلمين ببناء المساجد وأمرهم أن لا يبنوا مسجدين يضار أحدهما الآخر، ومن المضارة فعل تفريق الجماعة إذا كان هناك مسجد يسعهم، فإن ضاق سن توسعته أو اتخاذ مسجد يسعهم. (وأن ينظف) أي يطهر كما في رواية ابن ماجه أي من الأقذار. (ويطيب) أي يرش العطر ويجوز أن يحمل التطيب على التجمير بالبخور في المسجد، وفيه أنه يستحب تجمير المسجد بالبخور، فقد كان عبد الله يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر، واستحب بعض السلف التخليق بالزعفران والطيب، وروى عنه عليه السلام فعله. قال الشعبي هو سنة، وأخرج ابن أبي شيبة أن ابن الزبير لما بنى الكعبة طلى حيطانها بالمسك. وفيه أنه يستحب كنس المسجد وتنظيفه، وقد روى ابن أبي شيبة أنه عليه السلام كان يتتبع غبار المسجد بجريدة. (رواه أبوداود) مسنداً وسكت عنه. (والترمذي) مسنداً ومرسلاً. وقال: المرسل أصح. وإنما صحح الترمذي إرساله؛ لأن في سند الموصول عامر بن صالح وقد ضعفه بعض العلماء وكذبه ابن معين، لكنه رواه غير الترمذي موصولاً من غير طريق عامر بن صالح، فرواه أبوداود، وابن ماجه من طريق زائدة بن قدامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مسنداً مرفوعاً، وزائدة ثقة ثبت. ورواه ابن ماجه أيضاً من طريق مالك بن سعير عن هشام بن عروة، ومالك بن سعير لا باس به، وأيضاً عامر بن صالح قال فيه أحمد بن حنبل: ثقة لم يكن صاحب كذب. والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه.
٧٢٣- قوله:(ما أمرت) بضم الهمزة وكسر الميم، مبني للمفعول وما نافية. (بتشديد المساجد) أي برفعها وأعلاء بنائها. قال البغوي في شرح السنة: التشييد رفع البناء وتطويله، ومنه قوله تعالى:{ولو كنتم في بروج مشيدة}[٤: ٧٨] وهي التي طول بنائها، يقال: شدت الشيء أشيده مثل بعته أبيعه إذا بنيته بالشييد وهو الجص، وشيدته تشييداً طولته ورفعته. وقيل: المراد بالبروج المشيدة المجصصة. قال ابن رسلان: والمشهور في الحديث أن المراد بتشييد المساجد هنا رفع البناء وتطويله كما قال البغوي-انتهى. والحديث قد استدل به بعضهم على منع تشييد المساجد