بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإبلاغ الوضوء في المكاره، فمن فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد! إذا صليت فقل: أللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، قال: والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام) . ولفظ هذا الحديث كما في "المصابيح" لم أجده عن عبد الرحمن إلا في شرح السنة.
ــ
الإفراد (بعد الصلوات) أي: بعد كل صلاة انتظار الصلاة أخرى، وفي الترمذي "بعد الصلاة" بلفظ الإفراد (والمشي على الأقدام إلى الجماعات) فإن الآتي إلى المسجد زائر الله، والزيارة على الأقدام أقرب إلى الخضوع والتواضع والتذلل (وإبلاغ الوضوء) بفتح الواو وتضم، أي: إيصال ماء الوضوء بطريق المبالغة مواضع الفروض والسنن. وفي الترمذي "إسباغ الوضوء" بدل إبلاغ. والإبلاغ بمعنى الإسباغ (في المكاره) جمع مكره بفتح ميم ما يكرهه شخص ويشق عليه أي: التوضى مع برد شديد وعلل، يتأذى معها بمس الماء. قال ابن الملك: إنما خص هذه الأشياء بالذكر حثاً على فعلها لأنها دائمة فكانت مظنة أن تمل-انتهى (فمن فعل) وفي الترمذي "ومن" بالواو (ذلك) أي: المذكور (عاش بخير ومات بخير) كما دل عليه قوله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعملون}[٩٧:١٦](وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه) أي: فيه بفتح "يوم" قال الطيبي: مبنى على الفتح لإضافته إلى الماضي، وإذا أضيف إلى المضارع اختلف في بناءه، أي: كان مبرأ كما كان مبرأ يوم ولدته أمه (إذا صليت) أي: فرغت من الصلاة (فعل الخيرات) بكسر الفاء، وقيل: بفتحها، وقيل: الأول اسم، والثاني مصدر، والخيرات ما عرف من الشرع من الأقوال الحميدة والأفعال السعيدة (وترك المنكرات) هي التي لم تعرف من الشرع من الأقوال القبيحة والأفعال السيئة (وحب المساكين) الظاهر أنه كما قبله من إضافة المصدر إلى المفعول، وهو تخصيص بعد تعميم لدخوله في الخيرات اهتماماً بهاذ الفرد منه (فتنة) أي: ضلالة أو عقوبة دنيوية (فاقبضني) بكسر الباء، أي: توفني (غير مفتون) أي: غير ضال أو غير معاقب (قال) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - (والدرجات) مبتدأ، أي: ما ترفع به الدرجات (إفشاء السلام) أي: بذله على من عرفه ومن لم يعرفه (والناس نيام) بكسر النون جمع نائم، والجملة حالية، وإنما عدت هذه الأشياء من الدرجات لأنها فضل منه على ما وجب عليه فلا جرم استحق بها فضلاً وهو علو الدرجات، هذا. وارجع لشرح الحديث مفصلا، وبسط الكلام عليه مطولاً إلى كتاب "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" لابن رجب.