لبيك رب! قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري. قالها ثلاثاً. قال: فرأيته وضع كفه بين
كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء وعرفت.
ــ
للمفاجأة، أي: فاجأ استثقالي رؤيتي ربي تبارك وتعالى، وهذا ظاهر في أن هذه الرؤية في النوم فلا إشكال فيه (رب) بحذف النداء وياء الإضافة (فيم) ما الاستفهامية إذا دخل عليه حرف الجر حذف ألفها (قالها ثلاثاً) أي: قال الله تعالى هذه المقولة المترتب عليها جوابها ثلاثا، وأجبت عنها بلا أدري تأكيدا للاعتراف بعدم العلم (فتجلى لي كل شيء) أي: مما أذن الله في ظهوره لي مما في السموات والأرض مطلقاً، أو مما يختصم فيه الملأ الأعلى خصوصا وهذا هو الظاهر. وقد تمسك به بعض القبوريين على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عالماً بجميع ما كان وما يكون من المغيبات علماً كلياً تفصيلياً محيطاً بناء على أن لفظ الكل من ألفاظ العموم والاستغراق وإحاطة الأفراد. ولا متمسك لهم فيه لأن لفظ الكل لا يراد به الاستغراق دائماً كما في قوله تعالى:{كل نفس ذائقة الموت}[٥٧:٢٩] وقد أطلق لفظ النفس على ذاته تعالى في قوله: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}[١١٦:٥] وكما في قوله تعالى: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً}[٧٩:١٨] وقد علم أن الملك كان لا يغصب إلا السفن الصالحة الغير المعيبة. وكما في قوله تعالى:{الله خالق كل شيء}[١٦:١٣] وقد ورد إطلاق الشيء على الله في قوله تعالى: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد}[١٩:٦] وكما في قوله تعالى: {تدمر كل شيء}[٢٥:٤٦] وقوله تعالى: {يجبى إليه ثمرات كل شيء}[٥٧:٢٨] وقوله تعالى: {وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}[٢٧:٢٢] وكما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب) ، وفي قوله:(كل مصور في النار) . وقول ابن مسعود: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يكبر في كل خفض ورفع. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج)(وقد خصه الحنفية بالإمام والمنفرد، واستثنوا منه المقتدي) وقوله: (كل شيء خلق من الماء) . وقوله:(كل بني آدم خطاؤن) . وقوله:(كل بني آدم حسود) . وغير ذلك من الآيات والأحاديث. ولا يخفى على من له أدنى شيء من العقل والفهم أن لفظ الكل في هذه الآيات والأحاديث ليس لا لاستغراق وإحاطة الأفراد لفساد المعنى في بعضها ولزوم الاستحالة في بعضها، مع ذلك إن حمل على العموم والاستغراق فعلم بذلك أن لفظ الكل لا يكون دائماً للاستغراق الحقيقي التام، ولذلك اتفق العلماء على جواز تخصيص ألفاظ العموم كما صرح به في كشف الأسرار وغيره من كتب الأصول حتى اشتهر عند الشافعية ما من عام إلا وقد خص منه البغض. وقد صرح رئيس الطائفة القبورية في الهند الشيخ البريلوي في فتاواه المطبوعة: أنه قد يطلق الكل ويراد به الأكثر. وإذا كان الأمر كذلك جاز، بل وجب أن يقال: إن لفظ الكل في حديث معاذ بن جبل هذا ليس للاستغراق وعموم الأفراد لقيام القرائن القوية والدلائل الواضحة على ذلك، كيف لا وقد صرح رئيسهم المذكور وغيره من أتباعه أن ذات الله تعالى وصفاته، وتجلياته، وما يكون بعد القيامة خارجة من علمه - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: لا ندعى أن علمه - صلى الله عليه وسلم - محيط بذاته تقدس