للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: يا محمد! قلت: لبيك رب! قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات. قال: وما هن؟ قلت: مشى الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات. قال: ثم فيم؟ قلت: في الدرجات. قال: وما هن؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام. قال: سل. قال: قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفرلي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنها حق فادرسوها ثم تعلموها)) .

ــ

وتعالى، وصفاته وتجلياته، وما يكون بعد القيامة، بل نقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان عالماً بجميع ما كان من بدء الخلق وما يكون إلى قيام الساعة إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بعلم كلي تفصيلي محيط، فهذا كما ترى صريح في أنهم قد خصوا علمه عليه السلام بما كان من بدء الخلق إلى قيام الساعة فقط، واستثنوا منه ماعدا ذلك؟ فكأنهم صرحوا بصنيعهم هذا بأن لفظ الكل في حديث معاذ هذا ليس لاستغراق والعموم. وهذا هو المطلوب. وإذا كان كذلك بطل استدلالهم به على ما ابتدعوه. ومما يدل على عدم إرادة الاستغراق في الحديث، الآيات والأحاديث الصريحة الدالة على نفى علمه - صلى الله عليه وسلم - ببعض المغيبات من الممكنات، وقد تقدمت الإشارة إليه. ومما يدل على ذلك أيضاً سياق هذا الحديث، فإنه يدل على أن المراد بقوله: تجلى لي كل شيء أي: ظهر وانكشف لي كل شيء مما يتعلق باختصام الملأ الأعلى، لا جميع ما كان وما يكون كما لا يخفى على المتأمل (وعرفت) تأكيد لما قبله (في الكفارات) أي: للسيئات (إلى الجماعات) أي: الصلوات المكتوبات (حين الكريهات) أي: وقت المكروهات من أيام البرد أو أزمنة الغلاء في ثمن الماء (قال: ثم فيم؟) أي: فيم يختصم الملأ الأعلى أيضاً (في الدرجات) أي: في ما يرفع الجنات العاليات (ولين الكلام) أي: لطفه مع الأنام (قال: سل، قال: قلت) كذا في بعض النسخ للمشكاة وفي جامع الترمذي "قال: قلت" أي: بحذف"قال" الثانية، وهكذا في مسند أحمد (ج٥:ص٢٤٣) (وأسألك حبك) قال الطيبي: يحتمل أن يكون معناه أسألك حبك إياي، أو حبي إياك. وعلى هذا يحمل قوله: وحب من يحبك. وقيل: الإضافة هنا إلى المفعول أنسب (وحب عمل يقربني إلى حبك) قال الطيبي: هذا يدل على أنه طالب لمحبته ليعمل حتى يكون وسيلة إلى محبة الله إياه، فينبغي أن يحمل الحديث على أقصى ما يكون من المحبة في الطرفين. ولعل السر في تسميته بحبيب الله لا يخلو من هذا القول- انتهى (إنها) أي: هذه الرؤيا (حق) لأن رؤيا الأنبياء وحي (فادرسوها) أي: فاحفظوا الألفاظ التي ذكرتها لكم في ضمنها، أو أن هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>