الدلالة على أن الأحاديث التي فيها الحكم بقطع الصلاة بالمرأة، والحمار، والكلب منسوخة، فقد سمع عياش أن الحمار يقطع الصلاة، وعياش من السابقين الذين هاجروا الهجرتين، ثم حبس بمكة. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوا له في القنوت كما ثبت في الصحيحين، فعلم الحكم الأول، ثم غاب عنه نسخة، فأعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الصلاة لا يقطعها شيء- انتهى كلامه ملخصا مختصراً. ومال بعضهم إلى الترجيح، فقال: أحاديث الجمهور مثل حديث عائشة، وحديث ابن عباس أقوى وأصح من الأحاديث التي فيها الحكم بالقطع، فالأخذ بالأقوى أولى. قال الشيخ أحمد في تعليقه بعد نقل كلام الشافعي من "اختلاف الحديث" المطبوع بحاشيته كتاب الأم (ج٧:ص١٦٤، ١٦٣) : وكأن الشافعي يريد تضعيف الحديث الذي فيه قطع الصلاة بأنه حديث يخالف أحاديث أثبت منه وأقوى، كأنه يقول شاذ، ولكن القطع ثابت بأحاديث صحيحة من غير وجه، فلا تكون شاذة. واختار بعضهم للترجيح مسلكا آخر، قال: لما اختلفت أحاديث الباب، ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فرجحنا به أحد الجانبين. قال أبوداود في سننه بعد رواية حديث أبي سعيد: إذا تنازع الخبران عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده، يعني وقد ذهب أكثرهم مثل عائشة، وابن عباس، وابن عمر، وعلى، وعثمان، وحذيفة إلى عدم القطع فليكن هو الراجح. ومال بعضهم إلى التأويل، فقال الخطابي والنووي وغيرهما: المراد بالقطع في حديث أبي ذر نقص الصلاة بشغل القلب بمرور هذه الأشياء عن مراعاة الصلاة، وبعدم القطع في حديث أبي سعيد عدم البطلان، أي: أنه لا يبطلها شيء وإن نقص ثوابها بمرور ما ذكر في حديث أبي ذر وأبي هريرة. قال الحافظ: ويؤيد ذلك أن الصحابي راوى الحديث سأل عن الحكمة في التقييد بالأسود، فأجيب بأنه شيطان. وقد علم أن الشيطان لو مر بين يدى المصلي لم تفسد عليه صلاته. وقال القرطبي: هذا مبالغة في الخوف على قطعها بالشغل بهذه المذكورات، فإن المرأة تفتن، والحمار ينهق، والكلب يخوف، فيشوش المتفكر في ذلك حتى تنقطع عليه الصلاة. فلما كانت هذه الأمور آئلة إلى القطع جعلها قاطعة- انتهى. وفيه ما قال السندي: من أن شغل القلب لا يرتفع بمؤخرة الرحل، إذ المار وراء مؤخرة الحل في شغل القلب قريب من المار في شغل القلب إن لم يكن مؤخرة الرحل فيما يظهر، فالوقاية بمؤخرة الرحل على هذا المعنى غير ظاهر- انتهى. قلت: الراجح عندي أنه لا يقطع الصلاة مرور شيء وإن لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل. وأقرب المسالك في الأحاديث التي فيها الحكم بقطع الصلاة أنها منسوخة بحديث "لا يقطع الصلاة شيء" وإن لم يرتض بذلك النووي. وهذا لأن الجمع بما تأول به الخطابي والنووي لا يخلو عن تكلف وخفاء كما أشار إليه السندي. ولا شك في أن الجميع المذكور خلاف الظاهر. وقد علم تأخر حديث "لا يقطع الصلاة شيء" بما حققه الشيخ في تعليقه على المحلى، وهو تحقيق جيد فهو أحق وأحرى بالقبول، والله أعلم (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه.