ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)) .
ــ
قاله النووي، والمؤخرة: هي العود التي يجعل خلف الراكب يستند إليه، بضم الميم وسكون الهمزة بعدها خاء مكسورة، وقد تفتح، وفيه لغة أخرى بفتح الهمزة والخاء المشددة المكسورة وقد تفتح، وفائدة ذكره المبالغة في شدة قربه؛ ليكون أرقع في نفس سامعه أنه ضبط ما رواه (ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله) قال الطيبي: الحق نقيض الباطل؛ لأنه ثابت والباطل زائل، ويستعمل في الواجب واللازم والجدير والنصيب والملك، وحق الله تعالى بمعنى الواجب واللازم، وحق العباد بمعنى الجدير لأن الإحسان إلى من لم يتخذ رباً سواه جدير في الحكمة أن يفعله، قال هذا هو الوجه، وقيل: حق العباد على الله تعالى ما وعدهم به من الثواب والجزاء، ومن صفة وعده أن يكون واجب الإنجاز فهو حق بوعده الصدق، وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد، أو المراد أنه كالواجب في تحققه وتأكده، أو قال حقهم على الله على جهة المقابلة والمشاكلة لحقه عليهم، فالله تعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر، إذ لا آمر فوقه، ولا حكم للعقل لأنه كاشف لا موجب، قال الحافظ: وتمسك بعض المعتزلة بظاهره ولا متمسك لهم مع قيام الاحتمال (قال: فإن) أي إذا فوضت فاعلم أن (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي، عطف عليها عدم الإشراك لأنه تمام التوحيد، والحكمة في عطفه على العبادة أن بعض الكفرة كانوا يدعون أنهم يعبدون الله، ولكنهم يعبدون آلهة أخرى، فاشترط نفي ذلك، والجملة حالية، والتقدير: يعبدونه في حال عدم الإشراك به، قال ابن حبان: عبادة الله إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل الجوارح، ولهذا قال في الجواب: فما حق العباد إذا فعلوا ذلك؟ فعبر بالفعل ولم يعبر بالقول كذا في الفتح (وحق العباد) بالنصب ويجوز رفعه (أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً) من الأشياء أو الإشراك، وفي رواية لمسلم:((أتدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟)) والإشارة إلى ما تقدم من قوله: يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وفي رواية للبخاري:((إذا فعلوه)) ، قال القاري: أي لا يعذبهم عذاباً مخلداً، فلا ينافي دخول جماعة النار من عصاة هذه الأمة كما ثبت به الأحاديث الصحيحة – انتهى. قلت: لا حاجة إلى هذا التأويل فإن عدم التعذيب إنما هو لمن عبده ولم يشرك به شيئاً، والمراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي مع الإقرار باللسان والتصديق بالقلب كما علمت، ومن كان كذلك لا يعذب مطلقاً ويدخل الجنة أولاً معافى، ومن هاهنا ظهر أن الوعد المذكور في الحديث إنما هو بعد ملاحظة جميع ما ورد في الشرع من الأوامر والنواهي، ومراعاة جميع الفرائض والواجبات الشرعية، ثم الاتكال فيما وراء ذلك من فضائل الأعمال وفواضلها أي السنن والنوافل، وهذا لأن الإنسان أرغب في دفع المضرة من جلب المنفعة،