رفعهما كذلك) أي حذو منكبيه. وهذا دليل صريح على أن رفع اليدين في هذه المواضع سنة، وهو الحق والصواب، ونقل البخاري في صحيحه عقب ابن عمر هذا عن شيخه على بن المديني أنه قال: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه؛ لحديث ابن عمر هذا. وهذا في رواية ابن العساكر وقد ذكره البخاري في جزء رفع اليدين، وزاد:"وكان أعلم أهل زمانه"-انتهى. قلت: وإليه ذهب عامة أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وغيرهم. قال محمد بن نصر المروزي: أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة. وقال البخاري في جزء رفع اليدين: قال الحسن وحميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم في الصلاة. وروى ابن عبد البر بسنده عن الحسن البصري، قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم في الصلاة إذا ركعوا وإذا رفعوا كأنها المراوح. وروى البخاري عن حميد بن هلال، قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما أيديهم المراوح، يرفعونها إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم. قال البخاري: ولم يستثن الحسن أحداً منهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أحد، ولم يثبت عند أهل العلم عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يرفع يديه. ثم ذكر البخاري عن عدة من علماء أهل مكة، وأهل الحجاز وأهل العراق والشام والبصرة واليمن وعدة من أهل الخرسان، وعامة أصحاب ابن المبارك ومحدثي أهل بخارى، وغيرهم ممن لا يحصى أنهم كانوا يرفعون أيدهم عند الركوع والرفع منه، لا اختلاف بينهم في ذلك. قلت: قول الحسن، وحميد بن هلال يدل على أن الصحابة أجمعوا على رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع منه، كيف لا وقد صح الرفع فيهما عن أبي بكر وعمر وعلي من الخلفاء الراشدين، ثم عن غيرهم من الصحابة، ثم عن التابعين، وهو أيضاً مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد. قال الترمذي في جامعه: وبه يقول: مالك ومعمر والأوزاعي وابن عيينة وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق- انتهى. وقال الشعراني في ميزانه (ج١: ص١٢٩) : ومن ذلك قول مالك والشافعي وأحمد باستحباب رفع اليدين في التكبيرات والرفع منه- انتهى. وقال ابن عبد البر: لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما- يعني في الركوع والرفع منه- إلا ابن القاسم، والذي نأخذ به الرفع حديث ابن عمر، وهو الذي رواه ابن وهب وغيره عن مالك، ولم يحك الترمذي عن مالك غيره، ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم: أنه آخر قولي مالك وأصحهما. وقال العراقي في طرح التثريب (ج٢: ص٢٥٣) : وقد حكاه عن مالك أيضاً أبومصعب وأشهب والوليد بن مسلم، وسعيد بن أبي مريم، وجزم به الترمذي عن مالك- انتهى. واعلم أن البيهقي روى في سننه حديث ابن عمر هذا بزيادة في آخره بلفظ:"فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى"، ذكره الحافظ في التلخيص (ص٨١) والزيلعي في نصب الراية (ج١: ص٤٠٩) وسكتا عليه ولم يتكلما، لكن في سنده عبد الرحمن بن قريش، قال الذهبي في الميزان (ج٢: ص١١٤) : اتهمه السليماني بوضع الحديث. وقال الخطيب في تاريخه (ج١٠: ص٢٨٣) : في حديثه