للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قد ثبت الأمران (الرفع والترك) عندي ثبوتاً لا مرد له ولا خلاف إلا في الاختيار، وليس في الجواز، فما في الكبيري شرح المنية والبدائع "أنه مكروه تحريماً" متروك عندي، نعم إن كان عندهما نقل من صاحب المذهب فهما معذوران، وإلا فالقول بالكراهة في مسألة متواترة بين الصحابة شديد عندي. قال: وقد اشتهر في متأخري الحنفية القول بالنسخ، وإنما تعلموه من الشيخ ابن الهمام، والشيخ اختاره تبعاً للطحاوي، قال: إذا ثبت عندي القول بالجواز ممن هو أقدم في الحنفية - يعني به أبابكر الجصاص الرازي صاحب أحكام القرآن - وساعدته الأحاديث أيضاً فلا محيد إلا بالقول به، وخلافه لا يسمع، فمن شاء فليسمع. وقال صاحب البدر الساري (ج١: ص٢٥٥) : إن الرفع متواتر إسناداً وعملاً ولم ينسخ منه ولا حرف. وإنما بقي الكلام في الأفضلية كما صرح به أبوبكر الجصاص في أحكام القرآن. وقال أيضاً: دع عنك حديث النسخ إذ قد شهد العمل بالجانبين، فإنه أقوى دليل على عدم النسخ. وذهب بعضهم إلى عدم النسخ مطلقاً، وقالوا: باستنان الأمرين، لكن الرفع عندهم أكثر وأرجح وأحب من ترك الرفع. قال الشاه ولي الله الدهلوي- الذي يزعم الحنفية أنه كان مقلداً لأبي حنيفة- في حجة الله البالغة (ج٢: ص٨) : والحق عندي أن الكل سنة، والذي يرفع أحب إلي ممن لا يرفع، فإن أحاديث الرفع أكثر وأثبت- انتهى. وقال السندي في حاشية ابن ماجه (ج١: ص٢٨٢) : أما قول من قال: إن ذلك الحديث - أي حديث ابن مسعود في ترك الرفع - ناسخ رفع غير تكبيرة الافتتاح فهو قول بلا دليل، بل لو فرض الباب نسخ فيكون الأمر بعكس ما قالوا، فإن مالك بن الحويرث ووائل بن حجر من رواة الرفع ممن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر عمره، فروايتهما الرفع عند الركوع والرفع منه دليل على تأخر الرفع، وبطلان دعوى نسخه، فإن كان هناك نسخ فينبغي أن يكون المنسوخ ترك الرفع. كيف وقد روى مالك هذا جلسة الاستراحة فحملوها على أنها كانت في آخر عمره في سن الكبر، فهي ليس مما فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - قصداً فلا تكون سنة. وهذا يقتضى أن يكون الرفع الذي رواه ثابتاً لا منسوخاً لكونه آخر عمره عندهم، فالقول بأنه منسوخ قريب من التناقض، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمالك وأصحابه: صلوا كما رأيتموني أصلي. فالأقرب القول باستنان الأمرين، والرفع أقوى وأكثر انتهى. وقال في حاشيته على النسائي (ج١: ص١٤٠) : ومن لا يقول به يراه منسوخاً بما لا يدل عليه، فإن عدم الرفع إن ثبت فلا يدل على عدم سنيه الرفع، إذ شأن السنة تركها أحياناً. ويجوز استنان الأمرين جميعاً، فلا وجه لدعوى النسخ، والقول بالكراهة- انتهى. وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في تعليقه (ص٨٩) على موطأ محمد: القدر المتحقق في هذا الباب هو ثبوت الرفع وتركه كليهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن رواة الرفع من الصحابة جم غفير، ورواة الترك جماعة قليلة مع عدم صحة الطرق عنهم إلا عن ابن مسعود، وكذلك ثبت الترك عن ابن مسعود وأصحابه بأسانيد محتجة بها، فإذن نختار أن الرفع ليس بسنة مؤكدة يلام تاركها إلا أن ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر وأرجح. وأما دعوى نسخه كما صدر عن الطحاوي مغتراً بحسن الظن بالصحابة

<<  <  ج: ص:  >  >>