الاستدلال به على النهي عن الرفع عند الركوع وعند الرفع منه جهل قبيح. وقد يقال: العبرة لعموم اللفظ، ولفظ:"ما بالهم رافعي أيديهم في الصلاة" إلى قوله: "اسكنوا في الصلاة" عام، فصح بناء الاستدلال عليه، وخصوص المورد لا عبرة به إلا أن يقال: ذلك إذا لم يعارضه عن العموم عارض، وإلا يحمل على خصوص المورد، وههنا قد صح وثبت الرفع عند الركوع وعند الرفع منه ثبوتاً لا مرد له، فيجب حمل هذا اللفظ على خصوص المورد توفيقاً ودفعاً للتعارض- انتهى كلام السندي. وقال الشوكاني: ورد هذا الجواب - أي بأن الحديث ورد على سبب خاص - بأنه قصر للعام على السبب، وهو مذهب مرجوح، وهذا الرد متجه لولا أن الرفع قد ثبت من فعله - صلى الله عليه وسلم - ثبوتاً متواتراً - أي إسناداً وعملاً، وقد اعترف به بعض الحنفية كما سيأتي -، وأقل أحوال هذه السنة المتواترة أن تصلح لجعلها قرينة لقصر ذلك العام على السبب، أو لتخصيص ذلك العموم على تسليم عدم القصر. قال: وأيضاً المتقرر في الأصول بأن العام والخاص إذا جهل تاريخهما وجب البناء- انتهى. وقال البخاري: أما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث جابر بن سمرة، قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن رافعوا أيدينا- الحديث. فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام، كان يسلم بعضهم على بعض، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رفع الأيدي في التشهد، ولا يحتج بهذا - أي على منع الرفع عند الركوع والرفع منه - من له حظ من العلم، هذا معروف مشهور لا اختلاف فيه- انتهى. وقال الشيخ عابد بن أحمد السندي الحنفي في المواهب اللطيفة: أما حديث "ما لي أراكم رافعي أيديكم ... الخ". فلا يليق الاستدلال بهذا الحديث في نفي الرفع فافهم- انتهى. وقد ظهر بما ذكرنا أن أهل العلم اتفقوا على حمل حديث جابر المختصر على حديثه الطويل، وجعلهما قضية واحدة وقعت في وقت واحد، والقول بأن الحديث المختصر في رفع الأيدي، والإيماء والإشارة بها عند السلام بناء على أن أحدهما تفسير للآخر، وعليه يدل تبويب أبي داود والنسائي وعلى المتقي الحنفي صاحب كنز العمال، وصنيع مسلم في صحيحه. ولله در العلامة الشيخ أمير علي الحنفي فقد اعترف بوقوع إجماع المحدثين على ذلك حيث قال في حاشية صحيح مسلم (ج١: ص١٨٢) - طبعة نولكشور لكنؤ -: أجمع المحدثون على هذا التأويل، والسلام من تتمة الصلاة ونازع بعض الناس فيه فقال: بل هذا النهي عن رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه، فعلى هذا يكون تقبيحاً بعد تشريع بلا تقديم النهي- انتهى. ومما يدل على اتحاد القضية وكون أحد الحديثين تفسيراً للآخر أنه بعيد من الصحابة أن يرفعوا أيديهم عند السلام بعد ما سمعوا منه - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الرفع في الصلاة مطلقاً، فإن المنع عن الرفع في الصلاة مطلقاً يستلزم المنع عن الرفع عند السلام أيضاً، وكذا يستبعد أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه بعد ما سمعوا منه النهي عن رفع الأيدي، والإيماء بها عند السلام، فإنه لما نهى عن الرفع عند السلام يكون الرفع عند الركوع والرفع منه قبل السلام منهياً عنه بطريق الأولى، وهذا ظاهر- ففي ادعاء التغاير بين الحديثين نسبة سوء الفهم إلى الصحابة، وفيه من إساءة الأدب في شأن الصحابة ما لا يخفى، وفي حمل الروايتين على التغاير مفاسد أخر لا تخفى على المتأمل المنصف غير