لا يرفعهما بعد. وهذا هو المحفوظ عن أبي بكر بن عياش، والأول خطأ فاحش لمخالفته الثقات من أصحاب ابن عمر. قال الحاكم: كان أبوبكر بن عياش من الحفاظ المتقنين، ثم اختلط حين نسي حفظه فروى ما خولف فيه، فكيف يجوز دعوى نسخ حديث ابن عمر بمثل هذا الحديث الضعيف؟ أو نقول: إنه ترك مرة للجواز إذ لا يقول بوجوبه، ففعله يدل على أنه سنة، وتركه يدل على أنه غير واجب- انتهى. كذا في نصب الراية (ج١: ص٤٠٩) وقد رد الشيخ عبد الحي أيضاً التمسك بأثر ابن عمر هذا على النسخ من وجوه، وأجاب في ضمنه عن كلام الطحاوي المذكور أيضاً قال في التعليق الممجد: المشهور في كتب أصول أصحابنا أن مجاهداً قال: صحبت ابن عمر عشر سنين فلم أر يرفع يديه إلا مرة. وقالوا: قد روى ابن عمر حديث الرفع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركه، والصحابي الراوي إذا ترك مروياً ظاهراً في معناه، غير محتمل للتأويل، يسقط الاحتجاج بالمروي. وقد روى الطحاوي من حديث أبي بكرة بن عياش عن حصين، عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة، ثم قال: فهذا ابن عمر قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع، ثم ترك هو الرفع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخة. وههنا أبحاث: الأول: مطالبة ما نقلوه عن مجاهد أنه صحب ابن عمر عشر سنين ولم يره إلا في التكبيرة الأولى. والثاني: المعارضة بخبر طاووس وغيره من الثقات أنهم رأوا ابن عمر يرفع. والثالث: أن في طريق الطحاوي أبابكر بن عياش، وهو متكلم فيه لا توازي روايته رواية غيره من الثقات. ثم ذكر كلام البيهقي الذي نقلناه عن نصب الراية، ثم قال: فإن قلت آخذاً من شرح معاني الآثار. أنه يجوز أن يكون ابن عمر فعل ما رآه طاووس قبل أن يقوم الحجة بنسخه، ثم لما ثبتت الحجة بنسخة عنده تركه، وفعل ما ذكره عنه مجاهد. قلت: هذا مما لا يقوم به الحجة، فإن لقائل أن يعارض ويقول: يجوز أن يكون فعل ابن عمر ما رواه مجاهد قبل أن تقوم الحجة بلزوم الرفع، ثم لما ثبت عنده التزم الرفع، على أن احتمال النسخ احتمال من غير دليل فلا يسمع. فإن قال قائل: الدليل هو خلاف الراوي مرويه. قلنا: لا يوجب ذلك النسخ كما مر. والرابع: وهو أحسنها أنا سلمنا ثبوت الترك عن ابن عمر، لكن يجوز أن يكون تركه لبيان الجواز، أو لعدم رؤية الرفع سنة لازمة، فلا يقدح ذلك في ثبوت الرفع عنه وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والخامس: أن ترك الراوي مروية إنما يكون مسقطاً للاحتجاج عند الحنفية إذا كان خلافه بيقين كما هو مصرح في كتبهم، وههنا ليس كذلك، لجواز أن يكون الرفع الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمله ابن عمر على العزيمة وتركه أحياناً لبيان الرخصة، فليس تركه خلافاً لروايته بيقين. والسادس: أنه لا شبهة في أن ابن عمر قد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث الرفع، بل ورد في بعض الروايات عنه أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع، وكان لا يفعل ذلك في السجود، فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله. أخرجه البيهقي.